السؤال
السلام عليكم.
مشكلتي أنني أعاني من وسواس قهري منذ مدة طويلة وتعالجت منه و-بفضل الله- تحسنت حالتي، مشكلتي أني أشعر بعدم الرضا على ما أصابني، خصوصا عندما أقرأ عن هذا المرض والكلام القبيح الذي يكتبونه، كأن يقولون أن هذا المرض يصيب من عنده نقص بغريزة العقل، وأن صاحبه قد يصاب بالجنون، وأنه قد يتصرف بغير وعي، ويفعل الذنوب مجبرا !
أتألم كثيرا وأكره نفسي وأبكي، وأقول في نفسي: كيف يبتلي الله عبده المؤمن بمرض يجعله يذنب مجبرا؟ والله إن محاسبته لنفسه أعظم وأوجع، كيف يجعل الله عبده المؤمن يكره الذنب ويفعله، وهو أرحم الراحمين! والله إني أبكي بحرقة وألم كلما تذكرت هذا الكلام الذي يكتبونه! أقول في نفسي: معقول أني قد أصل لهذا الحال! هذه الوساوس التي تدور في عقلي وأكرهها وتؤلمني، من يتجرأ ويقول أني سأفعلها! والله أني لن أفعلها يوما -بإذن الله-، وأن ألقى في النار أحب علي من مجرد التفكير بفعلها! ولم ولن يخطر ببالي أصلا يوما فعلها، هذه وساوس يلقيها الشيطان كي يحزنني ويؤلمني لا أكثر! أنا تعبت، دعوت الله كثيرا وبكيت كثيرا، والذي قرأته آلمني جدا، وما أحزنني أكثر هو قول بعضهم أن المبتلى بهذا المرض لا يؤجر، بل هو يحاسب على خضوعه للوسواس.
علما أن الوساوس التي أصابتني في الوضوء والصلاة، كنت أكرر الوضوء وأشك كثيرا في صلاتي، والله الذي فطر السماوات والأرض أني كنت وما زلت أجاهدها وأتجاهلها، ولكن دون فائدة، ويقولون أن هذا المرض لا علاج له، هل سأستمر طيلة حياتي أصارع الألم وأعيش على العقاقير؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رؤى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يكتب لك الأجر، وأن يعافيك من كل مكروه.
أختنا الفاضلة: إننا نحمد الله إليك هذا التدين، وهذه المحبة لدينك، كما نحمد الله إليك معافاتك من هذا الوسواس، وإننا نتعجب كيف يستحل البعض كتابة أشياء لا أصل لها في دين الله، ولا أصل لها في واقع الحياة.
أختنا الكريمة: الحديث أن هذا المرض يصيب من عنده نقص في غريزة العقل غير صحيح تماما، والحديث عن أن المرض لا شفاء منه غير صحيح كذلك، والحديث على أن المرض لا أجر له غير صحيح كذلك.
كلها أقاويل فارغة لا سند لها من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، بل ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كل بلاء يقع بالمرء وإن قل له أجره، فقال: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة ـ وفي رواية: إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة ـ وفي بعض النسخ: وحط عنه بها ـ وفي رواية: إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة"، هذا في الشوكة فما بالك بما فوقها!
ألم يقل الله -عز وجل- في كتابه (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) {الزمر:10}. فكيف يضيع صبرك ما مر بك من ألم الوسواس؟ يقول السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه، فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها. اهـ.
كيف يستقيم قول من قال: لا أجر له وقد علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم وغيره عن صهيب -رضي الله عنه- قال: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له!.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
وأما الحديث عن الوقوع في الذنب من غير قصد منه ولا إرادة، فإن هذا لا يحاسب عليه العبد، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما .
وقد ذكر العلماء أن الأمم السابقة كانت تؤاخذ على أخطائها، وتحاسب على جميع أفعالها، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعة لهم، أو سببا في التجاوز عنهم، في حين أن هذه الأغلال قد رفعت عن هذه الأمة، استجابة لدعائهم، ورحمة من الله بهم، كما بين الله تعالى ذلك في قوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (البقرة: 286) ، وقوله سبحانه : {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما} (الأحزاب : 5) .
وأما الحديث عن أن هذا المرض لا شفاء منه، فهذا كلام غير صحيح، وقد مر بنا نحن عشرات بل مئات الحالات وشافاهم الله عز وجل بعد أن تقيدوا بالنصائح التي ذكرناها في التعامل مع الوسواس.
أما لماذا يبتلي الله الإنسان؟ فهذا شأن آخر لا بد أن تعلمي -أختنا- أننا في دار اختبار، لسنا في دار النعيم (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، والله يبتلي من شاء بما شاء لرفع منزلته عند الصبر عليها، ولحكمة يعلمها سبحانه، والعبد عليه عند النعم أن يكون شاكرا، وعند البلاء أن يكون صابرا، ويسأل الله دوما المعافاة.
وأخيرا: لا تستقي المعلومات -أختنا- من غير المتخصص، ولا تأخذي قولا بلا دليل، ونسأل الله أن يحفظك والله المستعان.