السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة، وأعلم عن بر الوالدين، ولا أريد أن أكون عاقة لأمي، ولكنني أنزعج منها أثناء تحدثها الكثير مع زوجي في أمور كثيرة وانتقاصها مني أمامه.
كما أننا نختلف دائما في النقاش وتغضب من رأيي دائما، وإذا لم أبده تشعر أنني أهمل معها الحديث، وإذا أبديته غضبت، أتحدث معها بالحسنى، وبصوت منخفض، وبمحاولة إفهامها، فلا يكن منها غير الإساءة، وفي مرة واحدة في حياتي ارتفع صوتي كثيرا فكان منها الرجوع والاعتذار والدعاء بصلاح الأحوال.
تدخل زوجي في أمور كثيرة تخصها وهذا يسبب الحرج مرة والانزعاج مرات، وإذا تكلمت بحزم وطلبت منها بوضوح ما أريد تغضب، وإذا تكلمت بتلميح وعدم تجريح أساءت لي، وإذا تكلمت بود وحب بعد فترة أجدها تتدخل في كل شيء، وتتحدث مع زوجي كما سبق وأوضحت في أول حديثي، فما العمل إذا؟ وهل علي ذنب في حال تكلمي بحزم وانفعال؟
وفي كل الأحوال هي دائما تشعرني بالتقصير وعدم رضاها التام عني، فما ذنبي؟ لا أعلم، وماذا أفعل تجاه هذه المشاعر؟ تتهمني بالغباء، ولا تعدل بيني وبين أخي، وقد تركتني وعمري 4 سنوات ولم نعش معا في بيت واحد إلا بعد وفاة أبي ووفاة زوجها وأنا في الثانوية، حقيقة إنني لم أشعر في رغبتي وأنا كبيرة في تقبيل يدها مثلا، ولا السلام عليها بشوق، ولكن واقفة عند حدود حسن المعاملة والطاعة فيما أستطيع والمهاداة والزيارة، ودائما أدعو الله أن يجعل يومي قبل يومها؛ فقط لأنني أشعر بعدم استطاعتي حملها في كبرها فهي لم تربني وأنا صغيرة، ورباني آخرون أشعر تجاههم بالبر والود الحقيقي، أخاف كثيرا من لحظة احتياجها لي، ولا أعرف ماذا سأفعل عندها؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يرزقك بر والديك إنه جواد كريم.
وبخصوص ما سألت عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
1- نحن نتفهم الألم الذي مر بك، وندرك ما تعاني منه، ونعلم كذلك أن من فضل الله عليك أنك ساعية إلى البر، مريدة للخير، لكن النفس التي حرمت بعض حقوقها لم تجدي منها العون على ما تريدين، ولعل ما في تلك الكلمات ما يعينها ويعينك على إرضاء الله عز وجل.
2- هناك قاعدة في البر ينبغي أن تكون حاضرة لديك، وهي أن البر ليس قرضا يسد بعد القبض، ولا شرطا تفرضه المعاملة الحسنة للوالدين، بل هو أمر شرعي نتعبد لله عز وجل به، ونطيع الله عز وجل بالاهتداء بأمره، ونحذر مخالفة ذلك أو العقوق خوفا من الله عز وجل الذي قضى في كتابه هذا الحكم، فقال:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
فهذا أمر من الله لعباده بالتزام العقيدة، وجعل سبحانه البر قرين العقيدة، قال ابن عباس :"لا تنفض ثوبك فيصيبهما الغبار" وقال عروة :"لا تمتنع عن شيء أحباه".
وقد نهى الله تعالى عباده في هذه الآية عن قول "أف" وهو لفظ يدل على أدنى التضجر لا أعلاه.
ثم قال:{ولا تنهرهما} أي ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك، ثم قال:{وقل لهما قولا كريما} أي لينا لطيفا بأحسن ما تجد من الكلمات الصالحة.
ولم يكتف القرآن بذلك بل قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} وهذا هو الذل الممدوح، فلم يمدح الذل في القرآن قط إلا في موضعين الموضع الفائت، وقول الله عن علاقة المؤمنين ببعضهم (أذلة على المؤمنين)، {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما".
كل هذه الضوابط قيدها الله عز وجل وجعلها حاكمة على علاقة الولد بوالديه أحسنا أم لم يحسنا، هذه قضية أخرى يحاسب الله فيها من قصر ويعظم الأجر لمن أطاع وتحمل.
3- لهذه الطاعة أختنا حدود ذكرها أهل العلم مفادها: أن البر يكون في المباح والمكروه وكل ما في تركه يحصل لهما غم بسببه، حاشا ما يغضب الله عز وجل فلا طاعة لهما عليه مع دوام البر، وأن يكون الأمر في حدود الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
4- هناك نقطة أخرى ينبغي كذلك أن تكون حاضرة، العاطفة التي أودعها الله في قلب الأم هي عاطفة فطرية، أي فطرت عليها، قد تضعف أو تغيب لكنها قطعا موجودة وهي أصدق فطرة وأغلاها، ولن تجد الفتاة حبا مهما علا كحب الوالدين، وأنت أم وتعلمين مشاعرك جيدا تجاه ولدك، لكن القسوة أحيانا أو الجفاء ما يبعد الأبناء عن تلمس تلك الحقيقة، ولو اقتربت من أمك بصدق، وجعلت الأمر لله عز وجل، وطلبت أن يأجرك الله على ذلك خيرا في دنياك ببر أولادك لك، وفي آخرتك بجنة عرضها السموات والأرض لعلمت أن الفطرة موجودة لكنها كانت غائبة.
5-المشاكل التي تحدثها الوالدة عليك ابتداء أن تتجنبيها أو تخففي من آثارها أو تتعايشي معها ، ثم وأنت تقتربين بصدق من والدتك وتتحاورين معها عما تحبي وتكرهي ستخف بإذن الله تلك المشاكل.
6- أختنا الكريمة: والله الذي لا إله إلا هو إن في مقام تلك الوالدة عندك من البركة والخير ما لا تتصورين، وسلي كل من فقد أمه ينبيك الخبر، لا تكوني أسيرة الشيطان ولا تعيشي هم الغد، افعلي ما عليك اليوم، واتركي أمر الغد لله عز وجل، هو كفيل به سبحانه.
وعليه فنرجو من منك حفظك الله أن تتحاوري مع أمك، وأن تبيني لها المراد بهدوء وروية مع إخلاص النية لله -عز وجل-، والتماس رضاه في كل أمر تقومين به.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن ييسر لك أمرك.
والله ولي التوفيق.