أعيش في ابتلاء شديد فما توجيهكم ونصحكم لي؟

0 37

السؤال

السلام عليكم.

أنا أم لطفل مريض بالتوحد، وهو مرض لا شفاء منه، عندما علم أبوه بمرضه تخلى عنا وطلقني وتزوج بأخرى، وهاجر خارج البلاد، وقطع علاقته بنا تماما.

كنت أعمل في وظيفة تحلم بها كل فتاة تخليت عنها من أجل الزواج والإنجاب، والآن أنا أرعى طفلا معاقا بمفردي، بدون مصدر دخل، بلا أمل في الشفاء.

لا أجد ملجأ إلا إلى الله، وأعلم أنه كلما اشتد الابتلاء كان دليلا على قوة إيمان العبد، لكن من وقت لآخر تحدثني نفسي بأن الاختبار يجب أن يكون مؤقتا وليس مدى الحياة، فمرض ابني سيبقى ما دام حيا واحتياجه لي واعتماده علي سيبقى ما دمت في الحياة، ويقتلني مجرد تفكيري في تركه في هذه الحياة وحيدا بلا سند، كثيرا جدا أفكر لماذا يعذبني الله بأعز ما تمنيت عذابا دائما مستمرا؟!

لو كان ابتلاني في صحتي كان ذلك أرحم في نظري، ومهما وصفت ومهما حكيت لا أحد يتصور حجم الألم الذي أعيش به منذ ٦ سنوات، أدعو وأتضرع وأتوسل وأرى بشارات ولا يتغير شيء، حياتي جحيم، يومي متصل لا يفصله إلا ساعات النوم، أستيقظ بألم يعتصر قلبي، وأرجو كل صباح أن لا أستيقظ.

معظم الوقت عندي أمل في رحمة الله، وأنه سيشفيه، لكني أرى كثيرا أمثلة لأناس انتهت حياتهم وهم على ابتلاء، ومجرد تفكيري أن هذه هي حياتي أشعر بانقباض صدري، وبظلام حالك وأدعو الله أن يقبضني أنا وابني في نفس اللحظة.

كما أسأله عز وجل أن يطمئنني برسالة أو بشارة وأن ينزل علي سكينة وصبرا وقوة، أنا أعلم أن الله لم يطلع أحدا على غيبه، وأنه فوق كل عليم، هل أجد لديكم ما يدفعني لأكمل مشواري مدة يوم أو حتى ساعة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يمن عليك بالصبر والثبات عليه، وأن يخفف عنك ما نزل بك من البلاء بشفاء ولدك وتفريج كربتك، ونحن على ثقة من أن الله سبحانه وتعالى على ذلك قدير، وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، ولكن جعل الله تعالى لكل بلاء أجلا، وذلك لكمال حكمته سبحانه وتعالى.

نحن رأينا – أيتها الأخت العزيزة – أنك قد وفقت لخير كثير، فصبرك على كل هذا البلاء الذي نزل بك، مع معرفتك لحكمة الله تعالى من وراء الابتلاء، كل هذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد بك خيرا إن شاء الله، ويدخر لك سبحانه وتعالى من الجزاء ما لا يحصيه ولا يعده إلا الله.

نصيحتنا لك -وهي نصيحة من يتمنى لك الخير، ويتمنى أيضا أن يعينك على ما أنت فيه – نصيحتنا لك أن تتسلحي بمزيد من الصبر، وأن تعلمي أن الله سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك، وأنه قدير على أن يذهب عنك هذا المكروه، وكان قديرا على أن يذهبه من لحظاته الأولى، ولكنه يفعل كل هذا الذي ترينه لحكمة بالغة، وستحمدين صبرك وتشكرين الله تعالى على ما نزل بك حين ترين ثواب هذا العمل، فالحياة الدنيا مهما طالت قصيرة، وتعقبها الحياة الدائمة التي لا انقطاع بعدها.

ذكري نفسك بهذه المعاني، أن بلاء الدنيا القصير يصرف الله تعالى به عنك البلاء العظيم الدائم، وأن صبرك في هذه الدنيا سيورثك النعيم الدائم الباقي، وهذه حقائق – أيتها الأخت العزيزة – فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن، قال: (يود ‌أهل ‌العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض) [رواه الترمذي].

عملك هذا مدخر، وسترين ثوابه في ذلك اليوم، وستمنى أهل العافية الذين يجاورونك ويعيشون معك سالمين معافين من هذه الابتلاءات، سيتمنون أنهم كانوا في مكانك، حين يرون ثوابك يوم القيامة.

الأمر فقط يحتاج منك أن تصبري قليلا، وألا تقطعي أملك في أن الله سبحانه وتعالى قد يغير الحال، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، وأنت تقرئين في القرآن الكريم ما حصل لبعض الصالحين بل لأنبياء الله سبحانه وتعالى، فتقرئي في القرآن قصة أيوب وقد ابتلاه الله تعالى في نفسه وأهله وماله وولده، واستمر البلاء طويلا، ولكن عقب ذلك الفرج، وتقرئين قصة يعقوب عليه السلام وما حصل له من فقده لولده، وغير ذلك من الأخبار التي طال البلاء بأصحابها، ولكن الله تعالى فرج عنهم يوما ما، ولو لم يفرج الله تعالى عنهم في الدنيا فإن الموت فرج كبير، تزول به كل الهموم والغموم، وينتقل الإنسان إلى النعيم المقيم والحياة الدائمة.

هنيئا لمن ابتلاه الله تعالى وقابل ذلك البلاء بالصبر والاحتساب، فإنه ينتقل ولا ذنب له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وهو يبين فضيلة الصبر ويتكلم عمن أصيب: (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده ونفسه وأهله وماله، حتى يلقى الله ‌وما ‌عليه ‌خطيئة) [رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي].

نصيحتنا لك – أيتها الأخت العزيزة – أن تتزودي بالصبر، وأن تعلمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وما أعطي أحد من ‌عطاء ‌خير، وأوسع من الصبر) [متفق عليه]. فأفضل ما يرزقه الله تعالى هذا الإنسان الصبر، لأن عواقبه محمودة، وجزاؤه كبير، فإذا صبر الإنسان نال كل هذه الأجور، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10]

تذكرك للآخرة والجزاء هو أعظم الأسباب التي تقويك على هذا الصبر ويثبتك عليه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصالحين كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه، فقال: (إن كان النبي من الأنبياء يبتلى ‌بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر، حتى لا يجد إلا العباءة، يلبسها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالعطاء).

هذا عن الصبر – أيتها الأخت العزيزة – ولكن مع هذا الصبر، ننصحك بأن تأخذي بالأسباب الممكنة لتخفيف هذا العناء الذي أنت فيه، ومن ذلك أن تذكري زوجك هذا، وتستعيني على تذكيره بكل من يمكن أن يعينك على هذا المقصود، أن يذكروه بالله تعالى وبعقابه إزاء تضييعه لولده، وأنه يجب عليه أن ينفق عليه، وإذا استطعت أن تلجئي إلى الجهات المعنية التي تستطيع إلزامه بأن يقوم بهذا فافعلي ذلك، واستعيني بمن يمكن أن يعينك من الصالحين، وسيعينك الله تعالى وينصرك عليه، فإذا لم يتحقق شيء من ذلك فثقي بربك، واعلمي أنه سبحانه وتعالى يتولى عباده، وأن هذا الولد سيتولاه الله تعالى، فلا تقلقي عليه، فإن الذي تولانا في بطون أمهاتنا وساق إلينا الأرزاق بطرق خفية لطيفة سيتولى إعانة هذا الإنسان حتى تلقينه في الآخرة.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يفرج عنك كل كرب، ويصرف عنك كل مكروه.

مواد ذات صلة

الاستشارات