السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابة، عمري 20 سنة الحمد لله، الصراحة أنا تعبت من أبي وتصرفاته، أبي ما شاء الله مستطيع ماديا وهو في أتم عافيته ورغم كبر سنه إلا فهمه عقيم، هو ينفق على غيرنا ويهملنا، ولا يسمع لكلامنا ولا حاجاتنا ولولا إخواني الله وحده يعلم ماذا سيحدث لنا، غير القسوة والجفاء الطابع عليه مهما حاولنا نغيره للأحسن لا يسمعنا ويرد علينا أنتم تحاسبونني؟
صراحة دائما يفهمنا بالخطأ، وللأسف يحسن لغيرنا ونحن كأننا غير موجودين، تعبنا منه، وصرنا لا نتحدث معه، وحقوقنا مهضومة، أنا أدعو له بالهداية حتى في بداية دعواتي ولكن لا يتغير شيء، ولا زال على الحالة نفسها، أتمنى أن تساعدوني كيف نتعامل معه ونصبر على هذه الحالة؟
وجزاكم الله خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ربا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لكل الخير حيث كان وأن يرضيك به، ونحن سعداء بتواصلك معنا.
وبخصوص ما سألت عنه فنحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: قد نتفهم أختنا أن القسوة تولد بعض النفور بين الأبناء والآباء، ونحن نتفهم ذلك جيدا عندما يراسلنا أحد الأبناء أو البنات ليتحدث عن قسوة والديه أو أحدهما، ونحن نقول أختنا قد يكون هذا واقعا، وقد يكون الأب قاسيا لكن دعينا نقدم مقدمة هامة جدا قبل أن نجيبك.
اعلمي أيتها الفاضلة: أن فطرة الله قضت بأن تكون هناك محبة للأولاد في قلب أبيهم، هذا الحب أوضح من الشمس الساطعة في الظهيرة، حب فطري جبل عليه، وقد أمرك الله ببره وشدد على إكرامه حتى لو كان كافرا، حتى لو كان يحرضك على الكفر بالله عز وحل، قال تعالى (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).
أختنا الكريمة: اعلمي أن رضى الله في رضاه وسخط الله في سخطه، قال صلى الله عليه وسلم: (رضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين) والواجب عليك وأنت الفتاة المتعلمة المتدينة أن تتحملي تلك الأخطاء، وأن تغفري تلك الهنات، فهو أبوك، أبوك الذي يحبك أكثر من أي أحد في العالم كله، حتى لو لم يظهر ذلك لك، أو لو غطت قسوته ذلك.
واعملي أختنا الكريمة أنك مهما فعلت برا به فلن تفي بحق هذا الوالد عليك، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا، فيشتريه فيعتقه) ولعلك تذكرين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك).
ثانيا: قد ذكرت أختنا أن الوالد ميسور الحال، وأنه ينفق على غيركم أكثر منكم، حتى حقوقكم الرئيسة لا يعطيها لكم؟
فإن صح ما ذكرت فالوالد كريم وليس بخيلا، وهذا يفرض عليكم مراجعة طريقة معاملتكم معه، وإحسان تلك الطريقة معه، ليس طمعا في زيادة مخصصاتكم المادية، ولكن طمعا في إرضاء الله أولا، والوصول إلى قلب أبيكم ثانيا، الوالد بطبعه ينفق على أولاده ويقدمهم على غيرهم، فلماذا هنا تغير الحال؟
لابد أن خللا حاصلا نحن لا نعرفه، نريد منك أختنا فعل ما يلي حتى تعرفي هذا الخلل:
1- التقرب إلى الوالد من دون أي طلب مالي، وقضاء حوائجه وإظهار اهتمامك به لحثه على الحديث معك.
2-إذا تحدث الوالد فاتركيه يتكلم، حتى لو قال أمورا ليست قائمة ولا موجودة، فربما فهم أشياء على غير وجهها، أو فعلتم أشياء ما قصدتم منها سوءا، لكنه كانت كذلك، اتركيه يتحدث أختنا حتى يخبر بكل ما لديه.
3-اجلسي بعد الحديث واكتبي كل ما قاله، وفكري فيه بهدوء، بدون أي ضغوط سابقة، حتما ستجدين بعض الأمور التي فيها كان محقا، وبعض الأمور التي فهمت على غير مرادها، ساعتها ستعلمين أول الطريق الذي ينبغي السير فيه.
أختنا الفاضلة: أبوك كبير في السن كما ذكرت، والدنيا لا تبقي على أحد، فاغتنموا وجوده قبل أن يرحل عنكم، وساعتها لن يسد أي أحد مسده، ولا يعوضكم أحد مهما كان عن غيابه.
نوصيك بأبيك خيرا، طاعة لله، وبرا به، هذه الطاعة التي فرضها الله تعالى لم تكن بمقابل، بمعنى أن الله لم يأمر الولد أن يطيع والده إذا كان منفقا عليه، أو أن يعصيه إذا لم ينفق عليه، بل هو في كل الأحوال طاعته واجبة، فاغتنموا وجوده، وأطيعوا الله ببره، وإنا نسأل الله أن يعينك على بره وحسن طاعته.
كتب الله أجرك، والله الموفق.