السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متزوجة وأعيش بعيدا عن أهلي في نفس البلاد، وعندي أطفال.
أحسن الظن كثيرا بالبشر، وأتعامل بقدر كبير من الاحترام والطيبة المفرطة والتقدير الشديد مع الجميع، ولكن ما يحدث معي غريب، إخوتي وأخواتي نادرا ما يقومون بتقديري، ولا يعاملوني بنفس المستوى من المعاملة، وعادة ما يجتمعون ويلتقون مع بعضهم ولا يخبرونني، وهذا الشيء يولد لدي نوعا من الاستياء النفسي، وكفيل بصنع البغضاء بيننا.
حزنت كثيرا بسبب عدم إعلامي عن اجتماعاتهم العائلية، أحزن جدا على أطفالي، لأن الجلسات الاجتماعية عند أهلي لا تشملهم، ويشعرون بالحزن من بعد أخوالهم عنهم، لا أرغب في الابتعاد عن أهلي، أو إنهاء علاقتي بهم بسبب الكم الكبير من الاستياء منهم، ولكن أرغب في معرفة رأي الدين فيما يحدث لي؟ وكيف أعالج الوضع؟ ومالذي يفترض القيام به في هذه الحالة؟ خاصة وأنني كتومة، وحين أحزن أحزن بشدة.
هذا الحزن يؤثر على نفسيتي، فكيف أتعامل مع أهلي، ومع البشر عامة، لتجنب الألم النفسي؟
علاقتي بالله والعبادة ممتازة و-لله الحمد-، ولكن الشيطان قد يؤول لي الأحداث ويهولها، أو أنها قد تكون فعلا كذلك، وأيضا سؤالي عن نظرة الدين لأهلي ومعاملتهم الدونية لي مقارنة بباقي إخواني؟
وبارك الله فيكم..
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أسيل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يحفظك وأن يبارك فيك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يصلح ما بينك وبين أهلك إنه جواد كريم.
أختنا الكريمة: إننا نحمد الله إليك تدينك وطاعتك، ونسأل الله أن يزيدك طاعة وإيمانا وثباتا، وأما بخصوص حديثك فإن معرفة سبب أي مشكلة هو الطريق الأسهل لعلاجها، ومن خلال صفاتك الشخصية من إحسان الظن بالغير، والطيبة التي وصفتها بالمفرطة، والتقدير للجميع، هذه الشخصية -أختنا- تهتم بكل تفاصيل الغير، وتتوقع من الجميع أن يكونوا كذلك، فإذا صادفت في حياتها من يتعامل بغير ذلك، مباشرة يتغير حالها وتنقلب نفسيتها، ونظنك من هذا النوع -أختنا الكريمة-.
أختنا الفاضلة: ما يحدث معك أحد أمرين، أو قد يكون الاثنين معا:
الأول: تضخيم لا أصل له، أو له أصل بسيط: قد ذكرت أمرا في نهاية السؤال يجب عدم إغفاله، وهو قولك: (ولكن الشيطان قد يصور لي الأحداث ويهولها، أو أنها قد تكون فعلا مهولة)، هذا الحديث مع كونك شخصية كتومة يجعلنا نذهب إلى أن هناك تضخيما مقصودا لأحداث ربما تكون خاطئة، وربما مقبولة، وربما طبيعية، لكن دور الشيطان عظمها في نفسك، وبما أنك كتومة فلم تتحدثي مع أحد عن تعاظم الأمر في نفسك، حتى صار أقرب إلى الحقيقة، وصارت كل الأحداث تفسر وفق هذه الرؤية التي أظلمت عليك الحياة
الثاني: قد يكون هناك موقف من الأهل يحتاج إلى معرفتك به، وهذا يوجب عليك الحديث معهم بهدوء وابدئي بالأقرب إليك والأحب إلى قلبك.
الثالث: الجدية والتنظير: فهناك بعض الأخوة يغلب عليهم الهدوء والجدية والتنظير، مما يجعل الجلسة أقرب إلى المحاضرة منها إلى الوناسة، وهؤلاء الأخوة غالبا ما يحبون اللقاء بعيدا عن الجدية تلك، وهؤلاء ليس لهم موقف سلبي مع هذه الشخصية بقدر طريقة التعامل.
إننا ندعوك إلى النظر في كلامنا هذا، والتعامل معه بهدوء لمعرفة السبب، ومن ثم إزالته.
ونختم لك بأن الإحسان إلى الأهل وصلة الرحم من أعظم القربات إلى الله تعالى، وهو طاعة الله القائل: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)، والقائل: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل).
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم
فقال لها: مه.
قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك.
قالت: بلى يا رب.
قال: فذاك))، وقال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ((فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)).
وفي صلة الرحم من الخير ما الله به عليم، ويكفيك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)).
وكذلك يكفيك خوفا ورهبة قوله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم))، [متفق عليه].
وكفى بهذا زاجرا عن القطيعة.
واعلمي أن حقيقة صلة الرحم أن تصليها إذا قطعت، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
فافعلي الخير -أختنا- ولا تنتظري المقابل إلا من الله تعالى، ونحن على ثقة بأنك متى ما راجعت ما ذكرناه، والتزمت بما أوصيناك به من التماس الأجر ببرهم دون انتظار معروف، أو رد، فإن نفسيتك ستتغير، ومن يدري لعل المشكلة كلها تزول.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير، وأن يبارك في أهلك أجميعن، والله الموفق.