ُصُدمت بوفاة والدي وأشعر بتأنيب الضمير.

0 45

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، على قدر من الالتزام، عندي مشكلة كل ما أتذكرها أجد غصة في حلقي وألتوي ألما، والحكاية هي أنني ابن أبي الوحيد، وكان أبي -رحمة الله عليه- مثالا للأخلاق والقيم الحميدة، إلا أنه كان حاد الطباع جاف التعامل، وكثير الغضب.

مؤخرا كنت أدخل معه في نقاشات وأرد عليه، وكانت نيتي أن أخفف من حدته، وأن أتقرب له أكثر، وفي بعض الأحيان كنت أتجاوز حدود الأدب، قال لي ذات مرة: أنني ولد عاق، وأنه سيغضب علي إن تكرر مني ذلك، ثم تراجعت، وأصبحت أتجنب إغضابه إلا أنني لم أعتذر له، وتجاوزنا نحن الاثنان ذلك، ولم تتأثر علاقتنا، ولم يتغير معي، وكان يحدثني بنبرة تدل على رضاه، وبعدها بفترة ليست بكثيرة توفي فجأة، ولأني لم أعتذر منه أشعر الآن بتأنيب الضمير، وأخاف أن يكون سبب وفاته نقاشاتي معه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب.

أولا: نسأل الله تعالى أن يغفر لوالدك ويسكنه فسيح جناته. وتألمك – أيها الحبيب – لما ذكرته من عدم اعتذارك صراحة لوالدك دليل على حسن في إسلامك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لمزيد من الخير.

وما ذكرته – أيها الحبيب – من أنك تخشى أن يكون نقاشك هو سبب لوفاة والدك؛ هذه مجرد أوهام، حاول الشيطان أن يدخل الحزن إلى قلبك، فإنه يحرص كل الحرص على إيقاع المسلم في أسباب الحزن لينغص عليه عيشه ويقطع سيره إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال الله في كتابه الكريم: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}.

فنصيحتنا لك أن تعرض عن هذه الأفكار، وأن تعلم بأن الأجل مقدر لا يتقدم ولا يتأخر، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.

وقد أحسنت في حياة والدك ووفقك الله سبحانه وتعالى بتجنب إغضابه بعد أن أخبرك بأنه يغضب من مناقشاتك، وفعلت ما يجب عليك وهو السكوت والامتناع عن إغضاب الوالد، فتكون قد فعلت ما يجب عليك أن تفعله، وما سبق ذلك من نقاش أغضب الأب فإنه يقع إن شاء الله في دائرة العفو والمسامحة، فإن الله تعالى أخبر في كتابه الكريم أنه يعلم ما في نفس الولد وما في ضميره من الحرص على البر، فإذا علم منه ذلك فإنه يتجاوز له ما يقع من الهفوات والأخطاء التي لا يسلم عادة الناس منها، فقال سبحانه وتعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} ثم قال: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}.

فالنافع لك ولوالدك الآن – أيها الولد الحبيب – أن تشتغل بالدعاء له والاستغفار له، فهذا ينفعه وينفعك أنت أيضا، بالنسبة لك يكون برا تثاب عليه، وبالنسبة له فإنه دعاء له، فإذا تقبله الله تعالى غفر له ذنبه. وإذا تمكنت واستطعت أن تتصدق عنه فهذا أيضا من الأعمال التي تصله.

فهذا النوع من السلوك هو النافع، وهو الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرص عليه، كما قال في الحديث: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).

نسأل الله سبحانه وتعالى لك التوفيق لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات