السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 30 سنة، وأعاني من إهمال وجفاء والدي، وهذا الإهمال منذ الصغر، حتى ظننت أنني لست ولده، أتذكر وأنا صغير كنت أمثل النوم حتى يذهب والدي للعمل، لا أريد مقابلته، ووصل ذلك الشعور إلى فقدان أعصابي في أوقات كثيرة، ولكني أحاول قدر المستطاع إلى التزام الأدب معه، ولكني أنفعل ولا أستطيع السيطرة على نفسي.
خائف من تطور الموقف إلى صراع كبير، أفضل الانسحاب على إكمال النقاش أو الكلام معه، أتجنب الكلام معه حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وعلى الجانب الآخر لا أرفض له طلبا، ولا مالا، ولا عملا، ولا مساعدة.
كل تلك الأمور زرعت في قلبي الجفاء، وجعلتني لا أتحمل النقاش معه، وصرت أرد بوقاحة، وأسلوب غير لائق، أشعر بالحزن، حزن وصل إلى حد البكاء لما يحدث، ولكن أقسم بالله كل هذا رغما عني وليس بإرادتي، ماذا أفعل؟ أشعر بالعجز ما بين إرضاء الله في بر الوالدين، وبين العقوق، هل أنا عاق بفعلي هذا؟ وماذا أفعل؟
لا أستطيع ضبط نفسي عند التحدث معه في شيء يخصني، لأنني أرى في عينه الإهمال، نعم أعلم أنني بلغت 30 سنة ولا أحتاج النصيحة، أو المساعدة، لكني لا أريد تركه، ولا أريد أن أكون فظا، فماذا أفعل؟ هل أبتعد عنه في الحياة الشخصية، أم أنه عقوق؟ وإن كان عقوقا فما الحل؟
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا وحرصك على معرفة حدود التعامل مع والدك، والفرق بين العقوق والبر، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك بر الوالد، ويعينك عليه، فإن بر الوالد من أعظم الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد)، وقد عظم الله تعالى منزلة الوالدين وجعل حقهما تاليا لحقه سبحانه، فقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وهذا بسبب فضل الوالد على ولده وإحسانه إليه.
فنحن ننصحك –أيها الحبيب– بأن تتفكر كثيرا فيما فعله أبوك معك، فإن كل ما يمكن أن تعيشه في هذه الدنيا من لذة ومنفعة أو في الآخرة؛ فإن ذلك كله فرع عن نعمة الوجود، وهذا الوجود جعل الله تعالى سببه هذا الوالد بعد الله، فالوالد إذا سبب في وجودك، ثم إن هذا الوالد أحسن إليك كثيرا وأنت صغير ضعيف.
احذر كل الحذر من تلاعب الشيطان بك وتزيينه لك أن الوالد مقصر في حقك، وأنه يتعامل معك بجفاء، ومن ثم يدعوك الشيطان إلى الوقوع في عقوقه والتقصير في حقه، وهو يريد بذلك أن يحرمك من ثواب هذه الطاعة العظيمة، والتي هي سبب أكيد في سعادتك في دنياك وفي آخرتك.
علاج هذا –أيها الحبيب– أن تتذكر حالك وأنت صغير ضعيف لا تستطيع أن تجلب لنفسك نفعا ولا تدفع عن نفسك ضرا، ورحمة هذا الوالد بك، وإنفاقه عليك، وقيامه بشؤونك، مهما شاب ذلك وخالطه من جفاء أو غير ذلك.
والواجب عليك –أيها الحبيب– بر والدك، والبر معناه: إدخال السرور إلى قلب الوالد بكل قول أو فعل، من ذلك الإنفاق عليه إذا احتاج، وطيب الكلام معه، والقيام بخدمته، والعقوق بعكس هذا، فإغضاب الوالد حرام، وقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلم أن يقول لوالده (أف)، ولو كانت هناك كلمة أصغر من هذه لنهى الله سبحانه وتعالى عنها.
وليس صحيحا أنك تفعل هذا بغير إرادة منك مما ذكرته، وأنت بلا شك تفرق بين الأفعال الاختيارية التي تفعلها باختيارك، والأفعال التي ليست اختيارك، فالواجب عليك أن تسيطر على غضبك إذا غضبت، ولا بأس في أن تتجنب مخالطة الوالد في بعض الأحيان، خشية الوقوع في معصية أكبر، شريطة ألا يكون محتاجا إليك ويغضب إذا لم تأته.
فاستعن بالله سبحانه وتعالى، والجأ إليه أن ييسر لك هذا الخير، ولن يخذلك الله سبحانه وتعالى إذا علم منك صدق العزيمة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك الخير، وأن يهدي قلبك.