السؤال
السلام عليكم
أنا شاب مغترب، فعلت الكثير من الفواحش والكبائر، ومن كثرتها نسيت عددها، كل مرة أنوي التوبة، وعندما أفعل هذه الكبائر أرجع وأصلي ركعتين توبة وأنوي ألا أعود، وبعدها بأيام أرجع للزنا وغيره وأفعل ذلك بالمال.
عندما أرجع أبكي، وأتوكل على الله لكي لا أرجع مرة أخرى لهذا الفعل، حتى إنني مارست ما هو أفظع من الزنا، ودخلت في دوامة من الأفعال المشينة، أصبحت يائسا، وأشعر أن الله لا يقبل توبتي، وضاقت نفسي!
أنا محافظ على الصلوات، وأعرف من الدين بعض الأشياء، لكني منتكس، وحياتي مدمرة بسبب هذه الأفعال.
أشعر أنني منافق ومطرود من رحمة ورضا الله، قولوا لي ماذا أفعل، وأرجوكم ادعوا لي، أنا أخاف من لقاء ربي، وأخاف أن أفضح في الدنيا والآخرة، أشعر أنني أصبحت أفعل الذنوب لا إراديا، وأفقد السيطرة على نفسي عندما أفعل هذا الأمر.
أرجوكم ما الحل؟ وأنا أعيش في غربة، ولا أعرف كيف أنجو من كل هذا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونحيي هذه النفس اللوامة التي تدفعك للتوبة، وندعوك إلى التعجيل بها؛ لأن الأعمار بيد الله تبارك وتعالى، وعليك أن تغتنم رحمة ربنا الرحيم، فالإنسان لا يدري متى تنخرم به لحظات العمر، ولا يدري متى يقفل أمامه باب التوبة.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، ونعود إليه عودا حميدا، ونبشرك بأن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
عودتك للذنب بعد التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى دليل على أنك في بيئة المعصية، ودليل على أنك تحافظ على أدوات المعصية (المواقع المشبوهة، أو الصور، أو نحو ذلك)، ودليل على أنك مع رفقة لا تعينك على الخير، ولذلك إذا كنت صادقا في توبتك – وهذا ما نريده منك – عليك أن تغير الرفقة، وعليك أن تغير البيئة، وعليك أن تهجر المعصية، وأدوات المعصية، ومواقع المعصية، ورفقاء المعصية، وعليك أن تصادق الأخيار الذين يعينونك على طاعة الله تبارك وتعالى، عليك أن تتخلص من كل ما يسهل عليك المعصية، من مواقع وصور، يعني: كل هذه الأمور التي تعين على ما يغضب الله -والعياذ بالله-.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال له: (ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء)، فأمره بأن يغير البيئة ويغير الرفقة، ونصحه بأن ينطلق إلى أرض بها أقواما يعبدون الله تعالى يعبد الله معهم، وأخبره بأن البيئة التي هو فيها تعينه على المعصية، وأمره بهجرهم.
وإن كنا نحن نشكرك على المحافظة على الصلاة، إلا أننا نريد ثمرة الصلاة، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، واستمر في صلاتك، واجتهد في الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وخوف نفسك من التمادي.
واعلم أن الله يستر على الإنسان، فإذا تمادى في المعصية ولبس لها لبوسها هتكه وفضحه وخذله، فانتبه لنفسك، وتذكر قول الله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63].
عليه: نرجو منك الآتي:
أولا: الدعاء لنفسك بأن يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأن يغفر لك الذنوب كلها وجلها، كبيرها وصغيرها، ما علمت منها وما لم تعلم.
الأمر الثاني: الاجتهاد في التوبة النصوح، بأن تقول: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإن (من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة) [صحيح البخاري].
الأمر الثالث: التخلص من كل ما يذكرك بالمعصية ويردك إليها.
الأمر الرابع: اتخاذ رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على طاعة الله إن ذكرت.
الأمر الخامس: تذكر عواقب الاستمرار في هذه المعاصي، فإن لها شؤمها وثمارها المرة.
الأمر السادس: اجتهد في أن تحصن نفسك بالزواج الحلال، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، وإن هذا من أعظم الأبواب التي تصدك عن المنكرات والفواحش، والأمور التي لا ترضي الله.
وتواصل مع أي موقع إسلامي، أو إمام مسجد إلى جوارك، حتى يسهل لك مهمة الزواج، ويعرفك إلى فتاة صالحة، تستطيع أن تكون عونا لك على العودة إلى الله، والثبات على هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
وأرجو أيضا أن تعرف أن ما عندك من غم وحزن؛ هذا كله دليل على أن للمعصية شؤمها وثمارها المرة، فأنت من يملك القرار، فاستعن بالله، وتب إلى الله تبارك وتعالى توبة نصوحة، واستمر في التواصل مع الموقع لتبشرنا، ثم ننتقل معك إلى خطوات بعد هذه الخطوة، كطلب العلم الشرعي، والسعي في التفقه في دين الله تبارك وتعالى، ومعرفة خطورة هذه المخالفات والمعاصي في الدنيا والآخرة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.