زوجي نام قرير العين وأنا غاضبة بسبب تعليقات الفتيات على منشوراته!

0 36

السؤال

السلام عليكم.

تحدثت البارحة مع زوجي عن حساب لفتاة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قامت بعمل (لايكات) لكل المعلقين عنده حتى أنا، وتبارك له بالترقية، كل الذي طلبته منه أن يلغي صداقتها، وهذه هي أول مرة أتكلم فيها معه عن إحداهن على حسابه، زوجي و-بحمد الله- يغض بصره ويعرف حدوده ولم يتفاعل مع أي مما فعلت، ولكنه لم يقبل، وأخذ يعطيني محاضرة عن أنني أشك فيه، وأنني لا يجب أن تكون ردة فعلي هكذا، وأطال في محاضرته حتى أصبحت أحترق من داخلي، فطلبت منه إما أن يلغي صداقتها -بغض النظر عن أنني أثق به- ليريح قلبي، أو يسكت عن محاضرته التي أخذ يلقيها علي، فرد بأن هذا ليس أسلوبا لائقا للتعامل معه، وعاد يلقي محاضرة أخرى عن الأسلوب اللائق، وأنا من ضيقي وغضبي من ردة فعله دخلت الغرفة وتركته وأخذت أبكي، لكنه ذهب ونام ولم ينادني حتى للنوم بجانبه!

استيقظ صباح اليوم التالي، وذهب لعمله ولم يرد على سلامي، فما حكم الشرع في موقفنا؟ ولماذا أجد الدين يتحدث عن غضب الزوج على زوجته ولا يتحدث عن غضب الزوجة على زوجها؟ لقد كسر خاطري وكسر قلبي ولا أبالغ، خصوصا أنه نام قرير العين ولم يرد علي السلام صباح اليوم التالي، والله إنني لا أحتمل هواني عليه في كل مرة نتجادل فيها؛ لا يهمه إن غضبت أو بكيت أو حتى احترقت، كل ما يهمه هو أن ينام ويستيقظ في اليوم التالي لعمله، أشيروا علي ماذا أفعل؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يزيل ما بينكما من سوء، إنه جواد كريم.

الأخت الكريمة: إننا هنا نحدثك أنت، ولو كنا نتحدث مع الزوج لكلمناه بمثل ما كلمناك به، فنرجو ابتداء ألا تجدي في نفسك علينا من الحديث، فقد استشرت والمستشار مؤتمن، وغايتنا إصلاح البيت، لا الانتصار لطرف على آخر.

ابتداء: نحب أن نثبت أن حقوق المرأة على الرجل في الدين عظيمة، تحكمها قاعدتان الأولى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، والثانية: (وعاشروهن بالمعروف)، وهذا يعني أن كل ما يسيء إلى الرجل مما حرمته الشريعة، هو بذاته محرم على الرجل، ولا فرق في التعامل مع المحرمات أو المكروهات بناء على ذكر وأنثى، وهذا لا يتعارض مع عظم حق الرجل على المرأة.

الأخت الفاضلة: إن ما حدث بينكما هو عرض ظاهر عن مرض مضمر، وإننا هنا سنبدأ بالحديث عن المرض المضمر، ثم نجيب على أسئلتك -إن شاء الله-.

الأخت الكريمة: إن الشيطان متربص بكما وبكل بيت مستقر لا يبرح مكانه حتى ينفذ مراده، قال الله تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء"، وإذا كان هذا بصفة عامة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن الشيطان متربص بالأسرة بشكل مباشر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: (نعم أنت)، [رواه مسلم].

ولأن هذا غرض أساسي عند الشيطان فيستخدم عدة أساليب، منها: أسلوب التصور، ثم التضخيم، ثم بناء الحكم، ونحن الآن نفصل؛ لأن هذه الوسيلة قد أوقعك فيها -أختنا الكريمة-.

التصور: بمعنى أنه يصور لك مشكلة قد لا تكون لها صلة على أرض الواقع، أو لها صلة ولكن ليست بتلك الصورة.
التضخيم: يبدأ في تضخيم هذا المتصور، حتى يصير حقيقة لها خطرها المهدد للأسرة كلها.
بناء الحكم: وهنا تأتي الكارثة؛ لأن النقاش في الجزئية التالية لن يكون على التصور ومدى صحته، ثم سيكون على الحكم ومدى واقعيته.

ولن نسقط هذا الكلام على مسألة تعليق البنت عليه، ولكن سنسقطه على حديثك أنت، ونرجو أن تنتبهي معنا: (لا يهمه إن غضبت أو بكيت أو حتى احترقت، كل ما يهمه هو أن ينام ويستيقظ)، هذا حكم، فما التصور الذي بني عليه؟ هو قولك: (نام قرير العين)، هذا التصور الذي رسخه الشيطان عندك قد لا يكون له أصل، وقد يكون الزوج نائما ساخطا حزينا على فعلك وترك الغرفة، وقد يكون آثر السلامة حتى تهدأ الأمور، وقد يكون فيه بعض ما قلت، لكن (قرير العين) تلك هي أحد أساليب الشيطان، وقد ضخم الأمر حتى جعلها حقيقة قائمة عندك في كل مشكلة تحدث.

وفي المقابل أتى إليه الشيطان فضخم له ما قلته له، وضخم له طريقة حديثك، وضخم له تلك الغيرة، ثم بالغ في قوله: وبعد كل هذا الخطأ لم تأت للاعتذار، لا بل ونامت في غرفة غير الغرفة، فانظري -بارك الله فيك- كيف جعلكما الشيطان خطين متوازيين، وكيف يستغل الحدث لزرع الشحناء والبغضاء بينكما!

إننا نرجو منك الانتباه لهذا الأمر، وإسقاطه على باقي حياتك، وستجدين -إن شاء الله- تغييرا كبيرا في طريقة التعاطي مع المشاكل.

ثانيا: نأتي بعد ذلك إلى العرض أو المشكلة ونجيب على أسئلتك:

1- ما حكم الشرع في فعل الزوج؟ نقول: إن الإسلام رغب الزوج في علاج كل المشاكل الطارئة في غرفة النوم، في هذا المكان الذي يكون الرجل فيه مع المرأة بلا وسيط ولا دخيل، وبين له القرآن إن وجد عنادا من الزوجة أن يعظ، فإذا علم أن الوعظ غير مجد أمره أن يهجر ولكن في المضجع، أي لا ينبغي إخراج المرأة من غرفة نومها، (واهجروهن في المضاجع)، فإن فعل غير ذلك فقد تجاوز حد الله تعالى، لأن الإسلام يريد حتى عند الخلاف أن تبقى رابطة الود قائمة.

لكن الواقع -أختنا- أنك وبعد أن تحاورت معه في مسألة الفتاة، وبعد أن وضح لك وجهة نظره بمحاضرة أطال فيها -على حد قولك-، وبعد أن وضعت حياتك الأسرية كلها في كفة، وهذا الموضوع الأدنى في كفة أخرى؛ أنت من تركته، وكان يجب عليك عدم تضخيم المسألة، سيما وأنت تعلمين من أخلاق زوجك ما يدعوك إلى الهدوء والتريث، وألا تسمحي للشيطان أن يتسلل عبر الغيرة -والتي هي حق لك- ليجعل من تلك المشكلة مفترقا للطرق.

2- إننا وإن كنا معك في ضرورة الابتعاد قدر الطاقة عن محادثة من تحرم عليه شرعا، ومن محادثة أي امرأة أجنبية إلا لحاجة، لكننا نختلف معك في الطريقة التي أدرت بها النقاش، والتي جعلت من حديث زوجك إليك ثقلا حتى وصفته بالطول، مع أننا نمدح الحديث المطول بين الزوجين -وإن كان في العتاب- ونرى أن هذا علامة خير.

3- المشكلة التي كانت عند الزوج ليست الفتاة، بقدر ما يراه تعديا للحدود، وجرحا لمقام الرجولة عنده، وأتصور لو أدرت الحديث بلغة العاطفة، وأنك متفهمة تماما لما حدث، وواثقة فيه كزوج، وقولك له: (أعلم حبك لي وحرصك على إرضائي، فلو رأيت أن تكرمني بأي وسيلة تراها مناسبة حتى لا أرى مثل هذه لكنت لك شاكرة، هذا فقط من حبي لك، ومن غيريتي عليك، والأمر بعد الله إليك).

نظن أن الحوار بهذه الطريقة لن يخدش رجولته، وفي الوقت نفسه كان سيترك المجال متاحا أمامه لفعل ما ينبغي دون أن يستشعر أنه أصبح مراقبا أو مأمورا من قبل زوجته، أو حتى تحت ضغط، وهو لم يرتكب ذنبا.

نصيحتنا لك: أن تبادري أنت بالحديث معه، وأن تبلغيه أنك من فرط حبك له وغيرتك عليه فعلت ما فعلت، وما كان ينبغي لي أن أنام دون أن أرضيك، لكني كنت في ظرف نفسي صعب، حتى إني نمت باكية، وكنت أنتظر منك لما علمت من لطفك بي وحنانك علي ألا تتركني أنام دون أن ترضيني، لكن أعتذر عن تركي غرفة النوم وعن الأسلوب.

هذه نصيحتنا لك، وهذه الطريقة التي ستجلب قلب زوجك لك، وغير ذلك -أختنا-، الدخول في دوامة العناد والعناد المقابل، هذا طريقه البوار، نسأل الله أن يسلمك وأن يسلمه من كل مكروه، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات