السؤال
السلام عليكم.
أبي يفعل شيئا حراما، وكلما أواجهه يدعو علي، وذلك لأني أحاول إبعاده عن الحرام دون أن أخطئ في حقه، وهو يدعو علي، ويقول: لا تدخل بيتي، وأنا أفعل ما أفعله.
كل ذلك لا يهمني، الذي يهمني هل أنا آثم بمواجهتي له؟ أعرف أن دعوة الوالدين مجابة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونسأل الله أن يزيدك حرصا وخيرا ورغبة في الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي والدك وكل والد إلى ما يحبه ربنا ويرضاه، وأن يهديه إلى أحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي إلى أحسنها إلا هو.
لا يخفى عليك أن بر الوالدين عظيم، وأنها عبادة لرب العالمين، ربطها بعبادته وطاعته في كثير من الآيات (و قضٰى ربك الا تعبدوۤا الاۤ ایاه و بالوالدین احسانا)، (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)، ونحن نبشرك أن ما قمت به طاعة وليس معصية، بل هذا من بر الوالدين أن ندعوهم وننصح لهم، ونذكرهم بالله تبارك وتعالى، لكننا ننبه إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن الإنسان إذا أراد أن ينهى والده أو والدته عن منكر أو معصية ينبغي أن يعرف الأسلوب الشرعي الصحيح الذي هو في قمة اللطف، واختيار الأوقات، وانتقاء الكلمات، وملاطفة الآباء والأمهات كما فعل خليل الرحمن: يا أبت، يا أبت، يا أبت، بل لما غضب الأب قال: (لئن لم تنته لأرجمنك ۖ وٱهجرنى مليا). لم يشتد معه، ولم يقل لهم أنتم كفرة، ولم يقل هذا أحسن شيء أنا متضايق منكم، وإنما قال: (سلٰم عليك ۖ سأستغفر لك ربي ۖ إنهۥ كان بي حفيا). (وأعتزلكم وما تعبدون من دون الله). بهذا الأدب.
ولذلك فالإنسان إذا غضب من الوالد يسترضيه، ثم بعد أيام يمكن أن تقدم صنوف من البر وتعيد الكرة للنصيحة بطريقة أخرى، لكن نرجو ألا تشتد مع الوالد في الإنكار عليه ولا مع الوالدة كذلك، ولكن ليس معنى هذا أنك ستسكت على المعصية، ولا مانع بعد ذلك إذا كانت المعصية معروفة، وهناك من يؤثر عليه مثل إمام المسجد، تجعله يتكلم عن هذه المسألة في خطبة الجمعة دون أن يعلم الوالد، إذا كان لك عم أو خال مؤثر على الوالد ويعرف المعصية -أي حتى لا تضطر أن تفضح وتقول والدي يفعل ويفعل- لكن إذا كان يعلم هذه المخالفة، فأرجو أن تحثهم على النصح للوالد.
لأننا أحيانا الوالد أو الوالدة يعتبران الأبناء صغارا وإن كبروا، فقد لا يقبلا منهم النصيحة، وهذا طبعا من الشيطان وإلا فالإنسان ينبغي أن يقبل النصيحة من الصغير ومن الكبير، فنحن أمة ينبغي أن نتواصى بالحق وأن نتواصى بالصبر، ونتناصح فيما بيننا، يأمر بعضنا بعضا، وكما قال الشافعي: ليس أحد أكبر من أن ينصح، كل إنسان يحتاج إلى نصح الآخرين وتنبيههم، وعموما ننصحك كما يقال بالبلدي بأن تلم الموضوع وتعيد العلاقة إلى أحسن وضعها، وتقدم صنوفا من البر للوالد والإحسان إليه، ولا مانع حتى من الاعتذار إذا كان قد غضب، وأنت قد أديت ما عليك، ولكن في المرات القادمة اجتهد في أن تؤدي ما عليك بأحسن الطرق، وفي أحسن الأوقات ومع انتقاء أكثر وأحسن الكلمات.
ونوصيك بالستر على الوالد، يعني ما ينبغي أن تذكر ما حصل لأحد، أما الذين يعرفون ويعلمون بما حصل يمكن أن يساعدوك في التغيير، إذا كان لهم يد على الوالد أو يسمع كلامهم أو أكبر منه سنا وأكبر منه علما، ولكن لا ننصح بإفشاء هذا السر، ولكن استمر في الدعاء للوالد، زيادة البر له، انتقاء الكلمات والأوقات إذا أردت النصح إليه مرة أخرى.
ونسأل الله أن يعينك على الخير، ونبشرك بأنه لا شيء عليك، بل أنت مأجور عند الله، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.