السؤال
السلام عليكم.
أبي شخص سليط اللسان، والكل يهابه مخافة لسانه حتى والدته، وإخوانه وأصدقاؤه قاطعوه لسوء معاملته لهم، هو لم يحسن إلينا بالقول أبدا، ولم يعاملنا كما يعامل الأب أبناءه من عطف واهتمام، أو حتى ماديا، والدتى توفيت منذ 8 سنوات، ومن حينها ونحن لم نذق طعم الراحة في منزله، بسبب تذمره طوال الوقت، وطلباته كالأكل وتنظيف المنزل، وتلبية مصالحه واحتياجاته الشخصية، مع عدم مراعاة ما كنا نمر به من فقدان الأم التي كانت لنا كل شيء، ولا يهتم لدراستنا وامتحاناتنا، وكان طوال الوقت يهددنا بأنه سيحضر لنا زوجة أب تعاملنا أسوأ معاملة، حتى ميراثنا من والدتنا أخذه منا بسوء القول واللفظ والضرب.
أنا الآن متزوجة، وأحمد الله على كرمه علي بزوج صالح وأبناء صالحين، وأحاول جاهدة أن أجعل أبنائي لا يشعرون أبدا بما جعلنا هو نشعر به، من كره لمنزلنا، ومحاولة البقاء خارجه أطول فترة ممكنة لتجنبه.
أزوره الآن مرة كل شهرين، أو ربما أكثر، وأحادثه في الهاتف كل يومين، ولكني أشعر بكل مشاعر الكره تجاهه، ولا أستطيع منع نفسي من التحسب عليه، أو الدعاء عليه، كلما حدثني، واتهمني بالإهمال والتقصير، وأني يجب أن أكون خادمة عنده ألبي احتياجاته، ولا يهتم لظروف بيتي وأبنائي وزوجي، أو ظروفي الصحية.
هل مشاعر الكره تجاهه، وأني لا أعامله كما تعامل الابنة أباها، لأني لم أجد منه المعاملة الجيدة، يعتبر من العقوق، أو يعتبر ذنبا أحاسب عليه، أو شرا أراه من أبنائي عندما أكبر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوران حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بداية -أختي الكريمة-: من نعمة الله عليك أن وفقك للزوج الصالح الطيب الذي يحفظك ويعينك على الخير، وعلى ما وهبك الله به من ذرية صالحة.
أختي الكريمة: ما تقومين به من رعاية أبنائك، والاهتمام بهم وبحسن تربيتهم، والحرص على محبتهم لأسرتهم، وشعورهم بالانتماء إليها؛ فهو نعم الصواب؛ لما له من الأثر الكبير في بناء الشخصية واتزانها، وبناء الثقة بالنفس وتعزيز تقدير الذات.
وأما بالنسبة لتعامل والدك معك ومع الأسرة بصفة عامة، فإن الغلظة والقسوة وسوء التعامل بالألفاظ أو بالأفعال أو بغيرها ليس من المعروف في شيء، وهو مما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله ﷺ: (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي).
أختي الكريمة: مع كل ما فعله والدك، فإن حقه في البر والطاعة في المعروف محفوظان بنص الشرع، وإذا كان الله تعالى قد ذكر حق الوالد المشرك -بل والذي يدعو أبناءه إلى الشرك عياذا بالله- من البر والصحبة بالمعروف، فما دونه في السوء أولى وأحرى بذاك البر، وتلك المصاحبة بالمعروف، قال تعالى :(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) فإذا استحق الأب الوعيد على معاصيه وتفريطه في الواجبات الشرعية، فإن الأولاد العاقين بوالديهم كذلك متوعدون على أفعالهم، وليس من الجائز مقابلة العقوق بعقوق، ولا مقابلة الظلم بظلم.
أما البغض القلبي للوالد العاصي، فإن الأولاد لا يلامون عليه، ولكن ينبغي أن يجاهدوا أنفسهم في مدافعة هذا الشعور، ولا يتنافى هذا مع بره وطاعته بالمعروف، لكن عليك أن تمسكي لسانك عن الإساءة إليه، أو الدعاء عليه، وبما أن الأمر قد وقع عليك من والدك، وقد تحملتم من الآلام ما تحملتم، فإننا نوصيكم باحتساب ما جرى معكم عند الله، ونوصيكم بالدعاء لوالدكم بالهداية والتوبة وإصلاح ما أفسد؛ فهو أحوج ما يكون لرحمة الله تعالى، والمن عليه بالتوبة.
غفر الله لكم ولوالدكم.