ازدادت المصائب في حياتي، فتركت الصلاة

0 28

السؤال

السلام عليكم.

أنا رجل عمري 50 عاما، قضيت أكثر من 22 سنة لا أصلي، وقررت أن ألجأ إلى ربي، فصليت الفرائض والسنن وقيام الليل وصلاة الضحى، وقراءة القرآن يوميا صباحا ومساء، وذكر الله، فارتحت نفسيا كثيرا، وأنا في راحة كبيرة.

بحثت عن عمل، حيث إنني أحمل شهادة محاسبة، ولي خبرة -والحمد لله- لا توصف في المحاسبة والمبيعات والتسويق والتدقيق، حيث إنني أراهن أهل الأرض بقوة المحاسبة التي لدي، وأنا في صحة جيدة جدا.

لم أجد عملا، وبدأت المصائب تأتي واحدة تلو الأخرى، فطلبت من الله تعالى أن أرى برهانا على مغفرته، وأن توبتي مقبولة، ولا أريد أي طلبات في حياتي سوى المغفرة، وقبول التوبة، وعند ذكر الله تعالى تزداد المصائب، وعند قراءتي للقرآن تأتي المصيبة فورا، فتركت الصلاة والقرآن، وعندها توقفت المصائب، وأنا في حيرة من هذا الأمر الذي تمنيت معه أن أتخلص من هذه الدنيا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يردك إلى الحق ردا جميلا.

أخي الكريم: الفرق بين الإدعاء والحقائق هي مواطن الابتلاء وليس غير ذلك، ودعنا نبسط لك الأمر -أخي الحبيب-.

ادعى رجلان أنهما في المحاسبة أمهر الناس، واحتكما إليك وأنت من أنت في هذا العلم، المهم أنهما الآن أمامك، ماذا تعمل حتى تفاضل بينهما؟ نكاد نسمعك تقول: أختبرهما؟
هذا بالضبط ما نحن فيه، فقد أدعيت التوبة والإقبال على الله تعالى، وشعرت ببعض راحة والحمد لله، ثم جاء الاختبار؟ مصائب بعضها فوق بعض، هي في الحقيقة اختبار من الله لك، فماذا فعلت؟

أخي الكريم: نريدك أن تقرأ معنا هذه الآيات:
(الم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم ۖ فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ۚ ساء ما يحكمون (4) من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ۚ وهو السميع العليم (5) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ۚ إن الله لغني عن العالمين (6)).

(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم).

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين).

(ٱلذي خلق ٱلۡموۡت وٱلۡحيوٰة ليبۡلوكمۡ أيكمۡ أحۡسن عملٗاۚ وهو ٱلۡعزيز ٱلۡغفور).

ماذا فهمت من هذه الآيات أخي الكريم؟
هذه الآيات هي عين سؤالك الذي أشغلك، ليس لنا عند الله وجاهة بأحساب ولا أنساب، بل المكرم عند الله من أطاعه، والمهان من عصاه، وحتى يتبين الأبيض من الأسود والصادق من الدعي، لا بد أن يدخل دائرة الاختبار، فمن تجاوز وصبر، فله البشارة والأجر، ومن انتكس وآثر السلامة، فقد باع آخرته بعرض من أعراض الدنيا، ولن يأتيه إلا ما قدر الله له.

أخي الكريم: أحب الناس إلى الله الأنبياء ثم الصالحون ثم الأشبه فالأشبه، وهم أشد الناس ابتلاء، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (أشد الناس بلاء: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه).

وقد تسأل عن العلة؟ فقد ذكرنا لك أن هذا دليل صدق الرجل، ثم هناك شيء زائد مذكور في هذا الحديث، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة). أي إنه مكفر لما مضى من الأخطاء والآثام، أو رافع للدرجات، كما في حديث عبد الله بن مسعود ـرضي الله عنه ـ قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسسته، فقلت: يا رسول الله؛ إنك توعك وعكا شديدا، فقال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها).

على أن هناك معنى زائدا يجب أن تنتبه له، وهو أن الشيطان حين تتوب إلى الله يجتهد في تحزينك والوسوسة لك، وشغلك وإضعاف نفسيتك، فترى البلاء أضخم مما هو عليه، فإذا ابتعدت عن طريق الهداية والصلاح، أتاك من باب السعادة الزائفة، حتى ترى البلاء أهون مما هو عليه لانشغال نفسك، ففي الحالتين: البلاء قائم موجود، ولكن ضخم عند التوبة، وهون عند المعصية.

أخي الكريم: إننا ننصحك بتعجيل التوبة، وأن تري الله من نفسك خيرا، أن تصبر وتعمل وتجتهد، وتدعو الله أن يرزقك السلامة والعافية، كما نوصيك بالبحث عن صحبة صالحة، فإن الصحبة هداية ووقاية، والمحافظة على الأذكار، فإنها حصن وصيانة، فإن فعلت نجوت ولعل الله عز وجل يغفر لك ما مضى، بل يقلب لك ما كان من ذنوبك إلى حسنات، قال الله تعالى عن التائبين من أهل المعاصي:(إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).

أخي الكريم: لو خسرت الدنيا كلها وربحت الآخرة فما خسرت شيئا، ولو رحبت الدنيا وما فيها وخسرت الآخرة فما ربحت شيئا، ولن تجد النعيم والسعادة إلا في ظل الطاعة، فاجتهد -أخي-، وتب إلى الله ولا تكسل.

نسأل الله الكريم أن يمن عليك بالهداية والاستقامة، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات