المقارنة بيني وبين الآخرين جعلتني محبطاً، فهل من نصيحة؟

0 26

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 32 سنة، أعاني من مشكلة مقارنة نفسي بالغير، منذ إتمام دراستي سنة 2012 لم أجد وظيفة في مجال تخصصي، وخلال هذه الفترة كنت أشتغل بشكل منقطع في إحدى الحرف التي أجيدها، وبحكم تخصصي -الإعلاميات- كنت أعمل في عدة مجالات على الإنترنت، والتي كانت أرباحها تدر علي مبلغا هاما يقدر بضعف متوسط مدخول الفرد في بلدي عشر مرات، لكن لم يدم هذا المدخول لفترة طويلة، ربما بسبب العين أو الحسد من العائلة أو الأصدقاء.

حاليا قمت بصرف جميع مدخراتي وجزء كبير منها لعلاج الوالد المصاب بعدة أمراض مزمنة: كالقلب، وضغط الدم، والسكري الذي تسبب له في ضعف البصر، أنا أحب والدي كثيرا، ودائما أتظاهر أمامهما بالقوة، لكن عندما ينام الكل أبكي بشدة على حالي بالمقارنة مع أصدقاء الطفولة، وعندما أتذكر كفاح أبي الذي كان يستيقظ في الساعة الرابعة فجرا للعمل حتى مرض، فبمجرد تذكر والدي الآن أبكي من غير إرادة.

كل هذه الأمور جعلتني أتجنب لقاء العائلة، ولو سألني أي صديق عن العمل أضطر للكذب حتى لا يشفق علي، وحتى صوت الأعراس لا أطيق سماعه، وكذلك عندما أخرج من المنزل دائما أفضل الطرق الخالية من الناس، رغم أن هذا لا يظهر على شخصيتي، فأنا دائما مبتسم، أرجو تشخيص حالتي ونصحي، والدعاء لي بارك الله فيكم، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونهنئك بحرصك على راحة الوالدين والسعي في برهما، ونزعم أن هذا سيفتح لك أبوابا من الخير، فإن هذه الطاعة العظيمة لها ثمار كبيرة على حياة الإنسان.

أما ما ذكرت بالنسبة أنك تقارن نفسك بالغير: فهذا أمر نتمنى أن تتجنبه؛ لأن المقارنة ظالمة، والإنسان ينبغي أن يدرك أن نعم الله مقسمة، فكل إنسان أعطاه الله من النعم ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، والسعيد هو الذي يتعرف على نعم الله عليه ثم يؤدي شكرها لينال بشكره لربه المزيد، فلا تشغل نفسك بما عند الناس، ولو أن الإنسان أتعب نفسه بالنظر إلى ما عند الآخرين فإن هذا يجلب لنفسه الأحزان، ويجلب لنفسه الآلام، كما كان ابن القيم يتمثل بهذه الأبيات:

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

فالذي يريد مثل سيارة هذا، وأموال هذا، ووظيفة هذا، واستقرار هذا الأسري؛ يتعب نفسه، لكن العاقل يتعرف على نعم الله عليه، وأنت -ولله الحمد- في نعم عظيمة، وأكبرها هذا البر للوالدين، فهي نعمة من الله تبارك وتعالى، ثم إن الله تبارك وتعالى الذي يسر لك رزقك بالأمس سيرزقك غدا؛ لأنه هو الذي يقول: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، فعليك أن تفعل الأسباب وتطرق الأبواب، ثم تتوكل على الكريم الوهاب.

ولا تعط أمر الناس أكبر من حجمه، فالناس لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، الناس لا يمكن للإنسان أن ينال رضاهم، والجاهل هو الذي يبحث عن رضا الناس، ورضا الناس غاية لا تدرك، لكن الإنسان إذا أرضى ربه ورضي الله عنه فإنه يرضي عنه الناس، وإذا أقبل الإنسان بقلبه على الله أقبل الله بقلوب الناس عليه.

وأنت على خير، فاستمر على ما أنت عليه، واجتهد دائما في شكر الله تبارك وتعالى على النعم التي عندك، وحاول أن تأخذ ورقة، ولن تستطيع أن تحصي النعم، لكن سجل النعم الكبار، نعمة العافية، نعمة وجود الوالدين أصلا، كم من إنسان أصلا ليس له والد ولا والدة، يتمنى لو أنه رآهم ليقبل رأسهم، يتمنى لو أنه رآهم ليمسح الطريق أمامهم، وأنت في هذه النعمة العظيمة.

أيضا نعمة قدرتك على التواصل والكتابة والفهم وحسن العرض لمشكلاتك، يعني هذه نعم أرجو أن تتعرف عليها وتعرفها وتؤدي شكرها؛ فهذا سيبعث لك سعادة عظيمة جدا في نفسك.

لا تحاول أن تبتعد عن العائلة أو عن الأصدقاء، وليس من الضروري أن يتكلم الإنسان عن حاله عند الناس، وأيضا ما ينبغي –كما قلنا– أن يقارن نفسه بالناس، واعلم أن كل من يمشي على هذه الأرض ويعيش في هذه الدنيا يواجه صعوبات؛ لأن هذه هي طبيعة الدنيا:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار

وكل الناس يخفي ما عنده من مشكلات وما عنده من صعوبات، وربما يتجلد ويتظاهر للناس بغير ذلك.

فلذلك الإنسان ليس عنده مجال لأن يسخر من أحد أو يتكلم عن أحد، فالكل مشغول بنفسه، والكل عنده ما يهمه، فأرجو ألا تعطي هذا الأمر أكبر من حجمه، وامض في حياتك، والحمد لله أنت تقول: إنك تظهر أمامهم بأنك قوي، وهذا الذي نريده ظاهرا وباطنا، ألا تعطي أمر الناس أكبر من حجمه، واجعل همك –كما قلنا– إرضاء رب الناس سبحانه وتعالى، واحرص على حضور الاجتماعات والأعراس، وإذا رأيت نعمة تنزل على عبد فافرح لها واشكر الله، واسأل ربك من فضله، كما فعل زكريا: {يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}، قال ربنا العظيم: {هنالك دعا زكريا ربه} كأنه يقول: يا رب أعطيت هذه المسكينة فأكرمني وأعطني، وسأل سؤله: {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} فنال ما تمنى.

فإذا رأيت نعم الله تنزل على الناس فتوجه إلى رب الناس، أولا اشكر الذي أعطاه، ثم توجه إليه بحاجتك التي تريد، واعلم أن الله تبارك وتعالى هو الوهاب وهو الرزاق سبحانه وتعالى.

إذا أرجو أن تطوي هذه الصفحات، وغير هذه المفاهيم، واحرص على أن تكون راضيا بما يقدره الله، بادر بالأسباب التي أمر الله بها عندما قال: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، وعندما قال: {وهزي إليك بجذع النخلة} يعني: فعل الأسباب، وإلا ماذا تستطيع امرأة ضعيفة في المخاض، وماذا تفعل في الشجرة والنخلة لكي تهزها، أعظم الرجال لا يستطيعون أن يهزوا نخلة، ولكن هي فعلت السبب، الإنسان يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، ويرضى بما يقدره الله تبارك وتعالى.

فنسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.

مواد ذات صلة

الاستشارات