نادمة على رفضي للخطاب في الماضي، فماذا أفعل؟

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة بعمر 27 سنة، أعيش ببلد أوروبي، ولا أستطيع العودة لبلدي، لدي مستوى معيشي جيد، وأحافظ على صلاتي، ووردي اليومي، وأحمد الله على هذا.

مشكلتي هي الزواج، فقد تعرضت للتحرش في طفولتي، كما أن علاقتي بوالدي لم تكن ناجحة، وهذا الشيء أثر على علاقتي بالجنس الآخر، وأصبحت متخوفة ورافضة للموضوع.

تعرفت رغم ذلك على شاب بهدف الزواج، لكنها كانت محاولة فاشلة، وأنا اليوم نادمة جدا على هذه العلاقة غير الشرعية، والتي استمرت لمدة سنتين، قبل وأثناء نفس الفترة كانت لدي الكثير من الفرص للزواج، وكنت أرفضها أحيانا لأتفه الأسباب.

أنا الآن أعاني من الاكتئاب، وأتابع مع معالجة نفسية لتجاوز الصدمات التي تعرضت لها، إلا أنني نادمة جدا على كل الفرص التي ضيعتها، أعلم جيدا أن الأمر قضاء وقدر، لكنني أحس بأنني مسؤولة ومعاقبة لما فعلته، أكره نفسي ولا أسامحها على العلاقة غير الشرعية، وعلى من رفضتهم ربما بسببها، فجميعهم تزوجوا، وكلهم طيبون، أنا ألوم نفسي وأحس بانكسار كبير؛ لأن الله أعطاني -الحمد لله- مواصفات حتى أكون زوجة صالحة، ولكني ضيعت هذه الفرص.

أحس بأنني معاقبة وأستحق ما أعيشه من أزمة، دعوت الله كثيرا أن يغفر لي ويرزقني زوجا صالحا بالمواصفات التي أتمناها، كنت متفائلة جدا من الموضوع.

الآن أرى بأن جميع الطيبين تزوجوا، ولم يتبق إلا من لديهم عقد نفسية مثلي أو غير مقبولين دينيا، أو بسبب الشكل والأخلاق، انكسر قلبي كثيرا من الموضوع، وأسألكم الدعاء والنصيحة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، وحسن العرض للسؤال، ونحب أن نؤكد لك أن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله.

عليه أرجو ألا تلومي نفسك على ما حصل، واعلمي أن البكاء على اللبن المسكوب لا يرده، وأن الإنسان ينبغي أن يقبل على حياته بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد.

أما ما حصل من التقصير فتكفي فيه توبة نصوح، والتوبة تجب ما قبلها، والتائبة من الذنب كمن لا ذنب لها، وإذا أخلصت في توبتك، وصدقت في أوبتك، وندمت على ما حصل من التقصير، وعزمت على عدم العود إلى الذنب، وأيضا أكثرت من الحسنات الماحية، وأتيت بشروط التوبة النصوح؛ فنحن نبشرك بخير كثير، ليس بمجرد التوبة، ليس بمجرد حب الله الذي يحب التوابين ويحب المتطهرين، لكن نبشرك بأن الله مع ذلك كله من الخير يبدل سيئات التائب حسنات، لقوله: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).

ما مضى أرجو أن تطوى منه الصفحات، وكلما ذكرك الشيطان بالماضي ليحزنك فجددي التوبة والرجوع إلى الله، واذكري الله كثيرا، وعندها سيتحسر هذا العدو، ويندم ويبتعد؛ لأنه سيشعر أنك تكتسبين مزيدا من الأجر والقرب من الله تبارك وتعالى، بتجديد التوبة، والذكر لله، والإنابة إلى الله تبارك وتعالى.

ما حصل من مواقف وفرص ضاعت أرجو أن تعلمي –كما قلت– أنها قضاء وقدر، ولا تيأسي، فإن الخير في الناس موجود، وسيظل الخير موجودا، فاستمري في الدعاء، وأظهري بين أخواتك وزميلاتك أحسن ما عندك من الصفات، فلكل واحدة منهن أخ أو خال أو عم أو أي من محارمها، وهي تبحث له عن الصالحات من أمثالك، وأصلحي ما بينك وبين الله تبارك وتعالى، واعلمي أن قلوب الناس بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها، وقد قال العظيم في من أطاع الله وأقبل عليه وعمل الصالحات: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)، يعني: محبة في قلوب الخلق.

اعملي ما عليك، وما خلقك الله لأجله من العبادة، وانتظري من الله التوفيق والسداد، وأشغلي نفسك بما يرضي الله تبارك وتعالى، ولا تحاولي جلد الذات، أو تعاقبي نفسك، أو تقولي: (أنا أستحق ما حصل)، فربنا غفار لمن تاب، ولو بلغت ذنوب الإنسان عنان السماء ثم لقي الله تائبا غفر له سبحانه وتعالى وقبله، وهو الذي يقول: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).

إذا عليك أن تهتمي بالدعاء وبالتوبة النصوح، وكثرة ذكر الله تبارك وتعالى، واكتساب الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات، والنظر إلى الأمام، وإذا ذكرك الشيطان بالماضي والمواقف السالبة فجددي التوبة، وجددي العزم، وأقبلي على حياتك بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، واستمري في الدعاء، فإن الإنسان إذا دعا الله لا بد أن يربح، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما من مسلم يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل)، وفي رواية: (ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم، إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها) فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: (الله أكثر).

اجتهدي في طاعة الله تبارك وتعالى، ولا تظني أن من تزوجن أو من مضى سعيد، فالدنيا هذه لا تخلو من الجراح، ولكن المؤمن بصبره ورضاه بقضاء الله وقدره يحول هذه الأشياء من المحن إلى منح وعطايا من الله تبارك وتعالى، (وعجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له).

شكرا لك على التواصل، ونحن سعداء بتواصلك، وسنكون عونا لك، فأنت في مقام بناتنا وأخواتنا، ونسأل الله أن يضع في طريقك من يسعدك وتسعدينه، ويعينك على طاعة الله وتعينينه.

مواد ذات صلة

الاستشارات