السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي صديقة منذ بداية الجامعة، ولكنها شخصية حساسة، ودائما تشتكي لي من علاقتها مع أقاربها، وكيف أنهم يفضلون الآخرين عليها، ولا أحد منهم يحبها، ولا أحد يلتفت إليها.
هي تريد أن تعوض فقدانها لوالدها، وعدم اهتمام أقاربها، بأن يكون لديها صديقة تعوضها عن ذلك، وأنا أحاول أن لا أؤذيها، وأعاملها بلطف، وأكره أن أكسر بخاطرها، ولكني تعبت نفسيا وأرهقت من هذه العلاقة.
أنا لا أحب الاختلاط أصلا، ودائما لدي وساوس، ولا أفعل ما يغضبها، أو يكسر خاطرها، فإذا فعلت فأنا ليس لدي حسن خلق معها، ولا أعرف ما السبب؟ ولا أتعامل معها بمبدأ الحب ولكن بمبدأ التلطف.
أنا أصلا لا يعجبني الاختلاط مع الآخرين، وأحب الانشغال بطاعة الله، بينما هي كثيرة الكلام عن أقاربها، وأنا أخاف من الغيبة، وهي ترغب أن تفضفض، وأحيانا تغتاب.
أنا في صراع نفسي، حتى إني في أوقات الإجازة أفرح لأني لن أراها، وأنشغل بتثبيت حفظ القرآن، فتأتي نفسي اللوامة وتقول لي: إن لها حقا عليك، ولعلها تغضب، فلماذا لا تسألين عنها؟ وأفكر أني لا أحبها.
لقد وصل بي الحال إلى أن شعرت بأن هذه العلاقة حائل بيني وبين الله، وبين القرآن، وخاصة من ناحية حسن الخلق، وبأن الله يحب المحسنين، والحرص على أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورأفته مع كل من حوله.
أشعر أني لا أطبق ذلك معها، ولا أعمل بالقرآن، وأن الله يغضب إذا كسرت بخاطرها، أو ابتعدت عنها، فهذا ينافي حسن الخلق، وهذه النقطة جعلتني أعيش في صراع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فإننا نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: شكر الله حرصك على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وشكر الله لك تدينك، واهتمامك بتطبيق ما تعلمته من كتاب ربك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الظن في الأخت المسلمة، نسأل الله أن تكوني أفضل مما نظن.
ثانيا: لا شك أن ما قمت به تجاه صديقتك هو من الخير العظيم، وهو قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، ولو تأملت هذا الحديث جيدا لعلمت فضل ما قمت به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم.
ثالثا: الذي يبدو لنا من خلال سؤالك أن الصاحبة هي حديثة عهد بك، وحديثها هو شكاوى متعددة من الجميع، حتى من أهلها، وهذا يدل على خلل فيها: إما نفسي أو سلوكي، ويبدو كذلك أن هذه الصحبة قد أثرت عليك سلبا؛ لأنك خلطت بين الواجب والمندوب في المساعدة، فالمساعدة بالقدر المسموح الذي لا يضرك أمر مندوب إليه شرعا، لكن تعاهدك إياها والتفكير الزائد فيها، إلى درجة التردد في كل قول وعمل لإرضائها في كل وقت، وتعاهدها حتى وهي في بيتها، هذا أمر زائد وواجب لم يكلفك الله تعالى به، هذا يكون مع الوالدة، مع من أوجب الله عليك طاعته، لا مع صديقة شدة القرب منها أوصلك إلى أن تقولي عن نفسك: (وصل بي الحال إلى أن أصبحت هذه العلاقة حائلا بيني وبين الله وبين القرآن!).
ثالثا: -أختنا الكريمة- لا يخفاك أن الصاحب ساحب والطبائع سراقة، قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة: 119]، وقال: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف: 67]. وقد بينت السنة المشرفة أن من الحكمة والعقل أن يختار الإنسان الرفقة الصالحة، وأن يكون معها على قدر ما ينفعه في دينه وآخرته، وأن يحذر من التمادي حتى لا يغرق.
أهل العلم قد أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث ليال، إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك، جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب"( 8/99): "فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة فلا يمنع منه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، رضي الله عنهم".
نحن هنا لا نأمرك أن تهجريها، ولكن نقول لك حجمي العلاقة بالقدر الذي لا يشغلك عن واجباتك ولا عن تدينك، بل ننصحك أن تجذبيها إليك وإلى التدين بهدوء، فمثلا لو أن وردك من القرآن لم تتميه وجاءت تتحدث إليك، قولي لها أمامي عشر صفحات مثلا من كتاب الله، ما رأيك أن نقرأها سويا؟ هي إما أن تقرأ معك فتكونين قد ربحت خيرين، وإما أن تتركك مع القرآن وفي هذا خير لك.
إذا أرادت أن تغتاب أحدا عندك فقولي لها: أنا أحبك وأحرص عليك، وأخاف عليك من غضب الله، لذا لا بد من نصيحتك في الابتعاد عن الغيبة، وهي إما أن تستجيب فتتخلصي من الغيبة، أو تكابر وهذا سيقلل من حديثها معك.
المقصد -أختنا-: كوني معها على مسافة لا تكسر الخاطر ولا تشغلك عن الواجب، فإذا تعارضا فقدمي الواجب بأسلوب لطيف وموعظة رقيقة.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.