السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عزباء، أنهيت دراستي، وأموري متعسرة جدا، لا وظيفة، ولا زواج، والحمد لله على كل حال.
وجدت وظائف لكن لم تتيسر لي، وحتى بالنسبة للزواج، يكون الخاطب غير مناسب، فلا أقبل به، إما بسبب الفارق الكبير في العمر، أو بسبب رغبة المتقدم في زوجة تعتني بوالده المريض، أو بسبب الظروف المادية المتدهورة للمتقدم.
علما أني أصلي، وأقرأ القرآن، وأقوم بالعبادات، وأعاني من كثرة السلبيات في عائلتي، حيث الشكوى من الظروف المادية، والشكوى من المرض، والشكوى من أمور أخرى، لا أعرف هل كل هذا بسبب الذنوب، أم بسبب آخر؟
أرجو المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حسناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
أختنا الكريمة: إننا نحمد إلى الله تدينك، ونحمد الله أن حبب إليك الصلاة والطاعة، ونحمد الله أن عافاك من سيء الأسقام، من السرطان وغسيل الكلى، ومرض الكبد، تلك الأسقام التي يجاهد أصحابها صباح مساء من أجل تحصيل المال للدواء، أغلب أماني هؤلاء أن يمر عليهم يوم بلا ألم حسي، وبعضهم يشكو إلينا تعسره في إيجاد الدواء، وعدم قدرته على تحمل الآلام، الشاهد أننا نحمد الله أن عافاك من كل هذا، كما نحمد الله أن أمنك في بلادك وعافاك من هذا التشرد الحاصل لكثير من بناتنا، حيث لا مأوى يقيهم، ولا والد عند أكثرهم يحميهم، فالحمد لله على ما أنعم به عليك، ونسأل الله أن يفرج عنك ما أنت فيه.
ثانيا: لا يخفاك أن الدنيا التي نعيش فيها دار ابتلاء وكدر، تلك طبيعتها وهذا مراد الله لنا فيها (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، هي مجبولة على البلاء مقرونة بالتعب والنصب، وليس في الدنيا أحد خال من البلاء، هذا محال، فالدنيا كما وصفها أحدهم بقوله:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار
والبلاء لا يقع إلا لحكمة، ولا يقع إلا -بإذن الله-، وعدل الله قضى أن يقسم البلاء على جميع خلقه، كل بقدره، فمن الناس من يبتلى في بدنه، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالجهل، ومنهم من يبتلى في ولده أو زوجه أو والده أو أمه، ومنهم من يبتلى بالسجن ظلما أو التغريب دهرا، الشاهد أن البلاء متنوع وموزع على خلق الله عز وجل، كل بحسب قربه من الله أو بعده، وبحسن مكانته في الجنة وموقعه، وهذا يقودك إلى الجواب المباشر على سؤالك:
هل الابتلاء دليل غضب من الله أم دليل رحمة؟
اعلمي -أيتها المباركة- أن الابتلاء ليس دليلا على غضب لمن أطاع الله، ورضي بالقضاء، واحتمى به ولجأ إليه، ليس دليل غضب على كل من اجتهد في البعد عن المعصية، وإذا زلت القدم سارع بالتوبة، ليس دليل غضب على من آمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقدر خيره وشره، بل هو دليل محبة الله للعبد، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط، فله السخط". رواه الترمذي.
وعليه فالعافية في المال أو البدن، أو التيسير في الحياة مع المعصية ليس إكراما للعبد، بل قد يكون استدراجا له قال الله:( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) [الأنعام:44]، وقال تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن. كلا) [الفجر:15ـ 17]، فدلت الآية على أن الله قد يبتلي بالسراء كما يبتلي بالضراء، وعلى أنه ليس كل من أنعم الله عليه، فهو مكرم، ولا كل من ضيق الله عليه، فهو مهان، بل وراء ذلك من الحكم والأسرار ما لا يحيط به إلا علم الله تعالى.
ولابن القيم كلمة جميلة في كتابه: مفتاح دار السعادة، يقول فيه: "وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته، بما ساقهم به إلى أجل الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة، تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان ... فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين، ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل إلى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة، إلا على جسر المحنة والابتلاء؟.
ويدلك على أن البلاء ليس إهانة للعبد الصالح، أو سقوطا له من عين الله تعالى ما دلت على الأحاديث الصحيحة، ومنها ما جاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسسته، فقلت: يا رسول الله؛ إنك توعك وعكا شديدا، فقال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وعليه أختنا الكريمة: فاحتسبي ما أنت فيه من ابتلاء عند الله، واصبري عليه، وسلي الله من فضله، ونوصيك بأن تنظري إلى من هم أشد منك بلاء فإن هذا يعينك على الرضا، كما نوصيك بأن تأخذي بكل الأسباب الشرعية المتاحة التي تخفف البلاء أو تزيله، مع الإيمان والتسليم لله -بعد بذل كل جهدك- بما قضاه وقدره.
ومن ذلك ما يلي:
1- التعرف إلى بعض الأخوات الصالحات خاصة أهل المساجد، الذين هم في مثل تخصصك العلمي، أو في عمل مناسب لهن، فإن هذا يفتح بعض الأبواب.
2- التقدم بالأوراق إلى كل مكان متاح العمل فيه ومناسب لك من الناحية الشرعية.
3- الخروج من دائرة العمل التقليدي إلى دائرة العمل الحر حسب المتاح، فبعض أخواتنا يعملن مدرسات وبعضهن محفظات، وبعضهن فتحت مشروعا صغيرا بسيطا بمعاونة أحد محارمها، وبعضهن قدمت دورات علمية على الإنترنت، المهم التفكير في عمل ولو يدر ربحا قليلا.
4- الزواج لا يبنى على المثالية، بل على غالب الصفات المبتغاة، وعليه فإنا ننصحك إذا ما أتاك خاطب، وكان صاحب دين وخلق، ولكن بعض الصفات الأخرى المحببة لديك ليست موجودة، أن تفكري بروية، وأن تمزجي بين العقل والعاطفة، وأن تستشيري أهلك، ثم الاستخارة، ومن ثم التوكل على الله.
وفي الختام: كوني على يقين بأن الله سيكتب لك الخير، وذكري نفسك بأنك أفضل من كثيرات غيرك، وتجملي بالصبر، واحتسبي الأجر، واستمري في الدعاء، واعلمي أن الله أقرب إلى العبد من حبل الوريد، وقد يغير الله كل ما أنت فيه في لمح البصر أو أقرب، فالله القادر على كل شيء، فلا تتوقفي عن الدعاء، ولا تيأسي من روح الله.
نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.