السؤال
السلام عليكم
أعاني من القلق والهلع والخوف الشديد من أن يعاقبني الله على ذنوبي، على الرغم من توكلي عليه في كل شيء، لا أخاف الناس، ولا الجوع ولا الفقر، ولا أي شيء، ولكن أخاف أن يعاقبني الله فيسلطهم علي، فهل هذا الخوف طبيعي؟ أنا ملتزم بالصلاة وأظن بالله الخير، وأشعر به في كل دقيقة من حياتي، أعصي تارة، وأتوب تارة أخرى، فأخاف أن يعاقبني على عصياني.
أرجو النصح، جزاكم الله خيرا، فأنا في نزاع نفسي شديد بين التوكل والخوف.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونبشرك بقوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) نسأل الله العظيم أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونحب أن نذكرك بداية أن المؤمن لا بد أن يوازن بين خوفه ورجائه، فالخوف والرجاء للإنسان كالجناحين للطائر، ومن مصلحة الإنسان في أيام العافية أن يزيد جرعة الخوف؛ لأن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ولأن الإنسان إذا خاف من الله انتبه لصلواته وانتبه لتعاملاته، وراقب الله في سائر أحواله، فإذا كانت اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان فعندها يزيد من جرعة الرجاء، حتى نموت ونحن نحسن الظن بالله تبارك وتعالى.
ونبشرك بأن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، وأنه سبحانه وتعالى مع المتقين، وأنه مع المحسنين، وأنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، وأنه يعلم من عباده السر وأخفى، وأنه قال: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وأنه قال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وأنه عند ظن عبده به، فأحسن الظن بالله تعالى، ومن إحسان الظن بالله تعالى أن يوقن الإنسان أنه يجازيه على إحسانه، وأنه سبحانه وتعالى يتجاوز عن السيئات، فالحسنة فيها المضاعفات، والسيئة الجزاء فيها بالمثل، أو بالمغفرة، أو باستبدالها حسنة إذا تاب الإنسان وعمل عملا صالحا.
وهذا الخوف من الله تبارك وتعالى مطلوب من أجل أن تجتهد فيما يرضي الله تبارك وتعالى، ولكن من الخطأ أن تزيد الجرعة في الخوف بحيث تتحول إلى وساوس وإلى أشياء مقعدة، تمنعك من أن تمارس حياتك بطريقة طبيعية، ولذلك نحن قلنا: الخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، فأنت محتاج إلى خوف، ومحتاج في نفس الوقت إلى رجاء، {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه}، هكذا أهل الإيمان، فلا مجال للنزاع النفسي عند المؤمن؛ لأن التصور عنده واضح بين.
وربنا الرحيم هو القائل: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}، لكنه سبحانه وتعالى يغفر، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
إذا: ندعوك إلى الاستمرار في الطاعات، وطلب العلم الشرعي؛ حتى تتضح أمامك الصورة، والتوكل على الله تبارك وتعالى معناه مختلف: التوكل هو بذل الأسباب، ثم التوكل على الكريم الوهاب.
أما الخوف فيقابله الرجاء، والخوف والرجاء والحب بهم تقوم عقيدة المؤمن وحياة المؤمن؛ لأن الأمر كما صوره ابن القيم: (الخوف والرجاء كالجناحين للطائر، لا يمكن أن يطير إلا بهما، ومحبة الله تبارك وتعالى كالرأس، فإذا قطعت الرأس مات هذا الطائر، ولكن إذا كان هناك قص لجناحهم وقص لجناحي الرجاء والخوف فإنه يعيش، لكنه لا يستطيع أن يطير) أو كما قال رحمه الله تعالى، وقال القرطبي عند قوله تعالى: {وادعوه خوفا وطمعا}: أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف، فالرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه، قال الله تعالى: {ويدعوننا رغبا ورهبا}.
إذا أرجو أن تدرك أن معنى التوكل مختلف، لأن التوكل هو فعل الأسباب ثم التوكل على الكريم الوهاب، أن يعقلها ويتوكل، ولكن الذي يقابل الخوف هو الرجاء، فأنت بحاجة إلى خوف وبحاجة إلى رجاء، على التفصيل الذي أشرنا إليه، والحمد لله فهذا السؤال يدل على أنك على خير، فإن الإنسان الذي يفكر بطريقتك بإذن الله يوفق إلى كل خير.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، وكلنا ذلك الذي يقصر، لكننا نرجو رحمة ربنا الرحيم سبحانه وتعالى، ونسأله تبارك وتعالى أن يتوب علينا لنتوب، وأن يغفر لنا ولك إسرافنا في أمرنا وتقصيرنا في حق الله تبارك وتعالى، هو ولي ذلك والقادر عليه.