الصبر على فقد الأحبة

0 244

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مندوبة لركن في مجلة مدرسية، وأريد طرح المشكلات الوافدة إلينا ونرجو منكم الرد عليها بأسرع ما يمكن، ومنها:

فأود أن أعرض عليكم مشكلتي، وأريد لها حلا؛ لأنني محتاجة إلى الحل ضروري.
لقد توفي أبي ـ رحمه الله ـ قبل أربع سنوات، كنت بالصف الأول متوسط، وكانت وفاته قبل يوم استلام النتائج، فجاءنا خبر وفاته ونحن مقبلون على العطلة، فاصطدمت بخبر وفاته، ومنذ ذلك اليوم صارت مصيبتي أعظم مصيبة؛ بسبب فقداني لذلك الأب الصالح الذي جعل لحياتي طعما آخر، وعشنا سويا تحت ظلال هذه الأسرة وحدد لي هدفا أسعى إليه، وكان -رحمه الله- يحدثني بأحاديث جعلت همتي ترتقي يوما بعد يوم؛ وصرت بعد وفاته أفتقد بسمة كان يرسمها على وجهي، ولمسة حانية تجبر الخاطر، فكرهت حياتي وما فيها من مشاكل في البيت، حتى أنني صرت ـ والله ـ لا أركز على دروسي وأهملها، منذ ذلك اليوم إلى وقتنا الحاضر، وأثر التفكير به ـ رحمه الله ـ على مصاحبتي لصديقاتي ومعاملتي وجميع معلماتي؛ وذلك أني عندما أحدث أي معلمة أو أريد أن أجاوب على أي سؤال أقابلها بوجه حزين، وبالأصح باحتقار لهذه المعلمة مع أن ذلك ـ والله ـ خارج عن إرادتي، حتى معاملتي مع جميع من حولي أصبحت سيئة فبعض المعلمات يلاحظن ذلك علي، وبعضهن ـ يمكن ـ ما يلحظن التغير المفاجئ الذي حدث لي.

والله إني لأفكر به حتى عندما أنام، فلا يهنأ لي عيش، ولا أكون سعيدة، بل منشغلة بالتفكير حتى أنني ـ والله ـ أعاتبه وألومه لماذا تركنا، وذلك عندما تحل بنا أي مشكلة.

فأنا أريد أن أنسى ذلك الماضي الذي أسبلت بذكراه الدموع، وأريد أن تعود لي الابتسامة مجددا، وأريد أن أكون مبتسمة طوال الوقت، وأن تتغير معاملتي مع غيري، وأريد أن أكون تلك التي لا تهزها المصائب، ولا تكون ضعيفة أمام أي مشكلة تحل بها، فأنا مقبلة على ثالث ثانوي وأريد ألا يؤثر ذلك التفكير على مستواي ودرجاتي، وأن أنال أعلى الدرجات مثل ما كنت سابقا.

فأفيدوني جزيتم عني كل خير وجعل ذلك في موازين حسناتكم.

أرجو من المختصين مساعدتنا، ولهم جزيل الشكر مقدما.
علما أنه يشترط علينا ذكر اختصاص المجيب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آل الهندي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن ينفع بك بلاده والعباد.

فإن الرضى بقضاء الله وقدره ركن من أركان الإيمان، وبه تتحقق السعادة للإنسان، وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.

وأرجو أن نذكر بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة التي وجدها تبكي عند قبر لها فقال لها: (اتقي الله واصبري) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط).

واعلمي أن الصبر الذي يؤجر عليه صاحبه هو ما كان عند الصدمة الأولى، وقد ذكر القرطبي قصة امرأة بنت خيمة على قبر زوجها وجلست تبكيه حولا كاملا ومعها أطفالها، وبعد ذلك سمعوا من يقول لهم: (هل ردوا ما فقدوا؟! هيهات وهيهات بل يئسوا فانقلبوا، فلو كان البكاء والجزع يرد الأموات لما كف الناس عن البكاء).

والمسلمة إذا أصابتها مصيبة فعليها أن تتذكر مصابها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك تهون كل مصيبة وعليها أن تتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضي الله عنها عندما أرسلت إليه أن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل، مرها فلتصبر ولتحتسب)، وعندما توفي ولده إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).

ونحن نحذرك من العبارات التي فيها رائحة الاعتراض على القضاء والقدر فإنه سبحانه ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون))[الأنبياء:23]، فاستقبلي الحياة بأمل جديد واعلمي أن الله كسر بالموت أحلام العبيد، وتذكري أن من يرضى بحكم الله هو السعيد.

وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات