السؤال
السلام عليكم
صديق لي عندما كنا نتكلم أخبرني أنه متخاصم مع أبيه، وأنه سعيد هكذا، ولا يريد أن يصالحه! حاولت معه، لكن لا جدوى. يقول لي إنه يعامله بطريقة سيئة، ويفضل أخواته عليه؛ لأنه هو الولد الوحيد، فقلت له إنه من الطبيعي أن يعامله هكذا إن كان هو الابن الوحيد.
يقول لي إن نفسيته تدمرت بسبب أبيه، واكتشفت أنه متخاصم مع أبيه منذ سنين، كنت أريد أن أكلم أباه، لكن ذلك سيؤدي إلى مشاكل، ماذا أفعل كصديق؟ أريد أن أكون أنا سببا في الصلح مع أبيه، أريد الأجر.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نور الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الحرص على الإصلاح بين الصديق وبين والده، ونسأل الله أن يهدي صديقك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يهدي والده كذلك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
أرجو أن يعلم هذا الصديق أن البر طاعة لله، وأن تقصيره يعود عليه بالوبال والخسران، ومهما كانت قسوة الوالد فإنه يظل والدا، ينبغي أن يأخذ حقه في الاحترام، وإذا لم يصبر الواحد منا على والده فعلى من يكون الصبر؟! وعليه أن يعلم أن الصبر على الوالد من أوسع أبواب البر التي ينبغي أن يحرص عليها.
نحن بلا شك لا نؤيد الوالد إذا فرق بين أبنائه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فلا يجوز للأب ولا يجوز للأم أن يفرقوا بين أبنائهم وبناتهم، أو بين الأبناء، بأن يختار واحدا أو أكثر يفضله على الآخرين؛ كل ذلك مما لا يرضاه الله تبارك وتعالى.
لكن الخطأ لا نقابله بالخطأ، لأن الإنسان سيلقى الله فردا، الوالد سيقابل ربه وحده، والابن سيكون بين يدي ربه وحده، فكل إنسان ينبغي أن يعمل في نجاته، ودائما نحن نقول: تقصير الوالد لا يبيح لنا التقصير، وتقصير الوالدة لا يبيح لنا التقصير؛ لأن المحاسب هو السميع البصير.
وإذا أدرك الإنسان وتذكر أن البر طاعة لله تبارك وتعالى فإنه يصبر ويحتمل، ودائما الجنة مهرها غال، الإنسان يجوع، الإنسان يقدم روحه، ويقدم رقبته لتقطع ليدخل جنة الله، فالجنة مهرها غال، فكيف لا يستطيع الصبر على والده؟!
أما الذي ننتظره منك -بعد أن نشكرك على هذه المبادرة- هو أن تجتهد مع الأخ، تذكره بهذا المعنى، وتبين له أن تقصير الوالد يرجع عليه، وأن تقصيره هو أيضا يرجع عليه، ولكن تقصير الوالد لا يبيح له العقوق أو التقصير، وبين له أن هذا لن يكون سببا للتوفيق في حياته، فإن بر الوالدين من أكثر أبواب التوفيق، والوالد مهما كان حتى لو أمره بأن يكفر بالله، فإن الله يقول: {فلا تطعهما} ما قال بعدها (تشتمهما، تخاصمهما)، قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
لذلك أرجو أن ينتبه هذا الصديق لخطورة هذا الذي يحدث، وإذا كانت هذه المراحل لم تنجح، فعليك أن تخبره أنك تفكر في إخبار الوالد للصلح، وتجتهد دائما في أن تبين له أن مرادك هو الخير والصلح، وأعتقد هو إما أن يستجيب لك، أو يسمح لك بأن تتكلم مع الوالد، لكن لا نريد أن تتكلم مع الوالد من وراء ظهره، بل شاوره، وبين له أن مكانته عندك رفيعة، وأنك لا ترضى أن ينزل عليه الغضب من الله بسبب هذا العقوق، وعليه أنا أريد أن يبادر في أن يكلم الوالد، عند ذلك سواء رضي أو لم يرض، فقد يكون متوقعا منك لهذه الخطوة، ولا أعتقد أن هناك حرجا؛ كثير من الفضلاء من أمثالك كانوا سببا في الإصلاح بين أصدقائهم وآبائهم أو أمهاتهم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.