السؤال
السلام عليكم.
أنا للأسف مدمن على كبيرة من أكبر الكبائر، ودائما ما أتوب وأعود، وذلك أثر على حياتي، وعلى ثقتي بنفسي بشكل كبير، فعندما أحاول أن أقرأ القرآن لا أفهم منه شيئا، وعندما أستمع للقرآن لا أتأثر، وعندما
أصلي أصلي بدون خشوع، وغالبا ما أنسى أنني في أي ركعة! وأحيانا أعيد الصلاة مرتين وثلاثا، وأدعو ولكن أشعر أن الله طبع على قلبي.
أنا أعمل على الإنترنت وغالبا ما أتصدق بكل مالي أملا من الله أن يفك محنتي، إضافة إلى أنني الآن في فترة الامتحانات الثانوية، وأفشل فشلا ذريعا بكل مادة بسبب أخطاء تافهة.
أهلي كلهم يسخرون مني، من أصغر إخوتي إلى أبي، فهو دائما ما يقول إنني خذلته، فقد كان الكل يأمل أن أصبح طبيبا؛ لأنني كنت من الأوائل، أما الآن فأنا مجرد نكرة أفتقر إلى التركيز والتوفيق.
أرجوكم أن تجيبوني، فأنا لا أستطيع أن أطلب مساعدة أهلي في أن أتخلص من ذنبي، فقد يزيد ذلك الأمر سوءا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك بحفظه، وأن يعينك بفضل منه وكرم، إنه جواد كريم بر رحيم.
أخي الكريم: من يكتب بهذه الطريقة الجميلة ويتعرف على علته في هذا السن فهو ليس إنسانا هامشيا، بل هو إنسان موفق ومسدد جره الشيطان إلى مكان غير مكانه، وسلط عليه وساوسه وأحزانه فأوهمه أنه في الحبال قد وقع، ولن يستطيع العودة إلى طريق الهداية فاقتنع، هذا حالك -يا صديقي- ولكن أمر الله أيسر ومرضاة الله إليك أقرب، فانتبه يرعاك الله إلى ما نقوله في هذه العناصر التالية:
أولا: قد علمت -يا أخي- سبب ما أنت فيه، وأدركت أن الانتكاسة حاصلة من ذنب وقعت فيه، وهذا ثلث العلاج لو أمعنت النظر، فأكثر الناس لا يعرفون من أين أصابهم الداء، ولا سبب ما هم فيه من ابتلاء، فاحمد الله على المعرفة.
ثانيا: الثلث الثاني من العلاج يكمن في القناعة الداخلية والإرادة الذاتية على تجاوز ما أنت فيه، فإن الشيطان -يا أخي- يعمد إلى تحزين الإنسان وإيهامه بأمرين:
1- أن سعادته في المعصية، وأنه لا غناء له في الوقت الحالي عنها، وقد يزين له فعل المعصية ببعض مبرراتها التي تخفف من حدة وخز ضميره كأن يقول له: أنت مضطر، وغصب عنك، والظروف حاكمة، والله غفور رحيم، كل هذه ألاعيب يبثها ليربط العبد بالمعصية.
2- أن يوهمه بأن المحال أن يبتعد عنها، وأنه لو ابتعد عنها أسبوعا فسوف يعود إليها، وبالفعل يبتعد عنها ويعود فيتأكد خاطر الشيطان في قلبه فيضعف له.
وكلا الأمرين وهم لا حقيقة فيه، فالسعادة كل السعادة في مرضاة الله تعالى، والانتكاسة في المعصية التي تطفئ نور القلب بقدر إيغال العبد فيها، فانتبه ولا يستدرجك الشيطان، ثم اعلم أن التغيير ممكن، وأن الرجوع إلى الله قائم إذا ما التزمت بالخطة التي بها يتغير حالك، وهذا هو الثلث الأخير من التغيير وهو ما نناقشه في العنصر التالي.
ثالثا: الثلث الأخير في الخطة للتغيير وهي تنقسم إلى العناصر التالية:
1- شحن إيماني قوي وإيقاظ للتدين المخدر عندك، عن طريق النوافل والأذكار وكثرة الاستغفار، وقد تقول قد فعلت ذلك ولم أنجح، نقول لك لأنك فعلته بدون العناصر السابقة، لا بد أن يكون لديك الثلاثة معا: معرفة الداء، الإيمان بالقدرة على التغيير، الخطة المنهجية، كلهم معا مع الصبر والدعاء، هذا مفتاح الفرج والعودة إلى الحياة الهادئة الصالحة.
2- مع الشحن الإيماني دراسة لأسباب وقوعك في هذه المعصية، ولأننا لا نعرفها فسنفترض فرضا: سنفترض أن المعصية هي العادة السرية، المطلوب منك بعد تحديد المعصية دراسة الأسباب التي توقعك في العادة كالخلوة، أو وجود جهاز يتيح لك الدخول إلى عالم المعصية، أو الفراغ الذي يسلمك للمعصية، أو عدم وجود صحبة صالحة، أو ضعف التواصل الاجتماعي مع الأهل، أو كل ما مر، المهم دراسة الأسباب الموقعة في المعصية.
3- بعد حصر الأسباب عليك بالعمل على ما يسمى الإحلال والإبدال، ومعناه استبدال كل سبب سلبي بآخر من جنسه إيجابيا، فمثلا: الصحبة السيئة يتم تغييرها إلى الصحبة الحسنة، الفراغ يتم تغييره إلى إشغال الوقت بالمفيد، ضعف التواصل الاجتماعي يتم تغييره إلى الدخول في عالم صداقات آمنة، وهي التي تبدأ من الأهل ومن الصالحين من الأهل تحديدا.
4- الإيمان بأن النجاح الجزئي مقدمة للنجاح الكلي، فلا شك -أخي الكريم- أنك انحدرت من مكان صالح إلى درك آسن، والصعود بعد النزول يحتاج إلى جهد أكبر، فإذا نجحت أسبوعا ثم انتكست فلا تقل ضاع أملي، ولكن قل نجحت أسبوعا، ومن ينجح أسبوعا ينجح شهرا، ومن ينجح شهرا ينجح عاما، ومن ينجح عاما فلا سبيل للمعصية عليه.
أخي الكريم: هذا طريق النجاة إذا أردت العودة إلى ما كنت، إذا أردت مرضاة الله عليك، وعودتك إلى المكانة السابقة عند أبويك، وعودة ثقة نفسك لديك، فالزم الطريق تصل، ولا تستمع للشيطان إذ يريد أن يقعدك، فأنت بالله أقوى، والله يقبل توبتك مهما كانت عظيمة.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يعينك على العودة، وأن تبشرنا -إن شاء الله- بدخولك كلية الطب، وما ذلك على الله بعزيز.
وفقك الله تعالى.