السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في العشرين من عمري، حافظ للقرآن الكريم -والحمد لله-، هذا من فضل ربي، أساعد أسرتي في تحفيظ القرآن الكريم للأطفال، أهلي دائما يحثونني على فعل الخير -الحمد لله-.
جدي وشيخي الذي حفظني القرآن يأملان مني أن أصبح إماما لمسجد -حفظهما الله-. أنا مدرك للفضل العظيم والمسؤولية المصاحبة لهذا الخيار، لكن منذ صغري وأنا أكتب القصص، وأحب الأدب، وأكتب الشعر، وأردت أن أكون أديبا، هنا يقع الخلاف بين عقلي وقلبي!
أنا أدرك أن أفضل ما قد أحققه في دنياي هو نصرة الدين، والتوسع في علومه، ونشرها بين الناس، لذا أحاول الموازنة، أقول لنفسي إن أعمالي الأدبية ستكون لنصرة الله وإرضائه، لكني أخاف أن يكون خياري بأن أصبح كاتبا هو اتباعا للهوى، فهو ما يهواه قلبي ويحبه، وأخشى من أن أكون غافلا عن فضل ساقه الله لي، وأندم عند موتي، كقصة الرجل الصالح الذي كان على فراش الموت وتمنى لو تصدق بثوبه الجديد.
أريد أن أقابل ربي وهو راض عني، وأريد نصيبي من الدنيا، ولا أعلم ما هو الأفضل، وأنا -بإذن الله- لن أتوقف عن إعانة أهلي في تحفيظ القرآن الكريم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فأرجو من أهل الذكر إعانتي على هذا المفترق الصعب الذي يمزقني، أثابكم الله.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي- في موقعك وبين إخوانك، ونسأل الله لك المعونة والإعانة، وأن يجعلك من الصالحين المصلحين، إنه جواد كريم.
أولا: نحمد الله إليك الذي أقامك وخصك من بين الكثير بحفظ كتاب الله -عز وجل-، ثم خصك من بين الحفاظ بتعليم المسلمين كتاب الله -عز وجل-، وتلك نعمة ومنة يختص الله بها من يشاء من عباده، ولا أدل على ذلك من الحديث الذي استشهدت به في سؤالك، (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
ثانيا: ليس كل ما يهواه القلب يرفضه الشرع، فالصالح يهوى قراءة القرآن، والصيام، والنافلة، والجواد الكريم يهوى النفقة، وهي كلها أعمال خير وفضل، إذا لا علاقة ابتداء بين ما تهواه وما هو محرم.
ثالثا: الأعمال الأدبية شأنها عظيم، وهي سلاح لمن ملكه أثير، فإن حاز القلم صاحب بيان فاستغله في المعصية كانت عليه وبالا، وإن حازه تقي فذب به عن أمة الإسلام، ونشر به الهدى والتقى، فهذا فضل من الله ونعمة.
رابعا: إننا نشد على يديك أن تتعلم الأدب من منابعه الأصيلة، وأن تقرأ في كتابات أهل الأدب ما يجعل منك أديبا ناهضا وعالما نحريرا، وفارسا يمتطي صهوة جواده إذا ما دعى الداعي أو تأسد الباغي.
أخي الكريم خالد: لم يكن الأدب يوما عيبا يخجل منه المسلم، بل لا نعرف في سلف أمتنا من كان فقيها أو محدثا أو مفسرا وعلاقته بالأدب منبتة، بل جمعوا بين الخيرين، ورحلوا ولا زلنا نقرأ من معينهم إلى يومنا.
ونحن ننصحك -أخي- بالقراءة ابتداء للرافعي، وننصحك بأن تبدأ بكتاب (تحت راية القرآن)، ثم تثني بكتاب (وحي القلم)، كما يمكنك أن تقرأ للزيات كتاب (وحي الرسالة)، وللمنفلوطي كل ما أنتجته قريحته، هؤلاء الثلاثة سيجمعون لك أصول علم الأدب التحليلي والإجمالي، وسترى بعد ذلك تفوقا في ملكاتك، تؤهلك للكتابة بدقة ومهارة.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يسعدك، والله الموفق.