زوجي بدأ بإجراءات الطلاق لعدم إنجابي وأنا حزينة جداً!

0 27

السؤال

السلام عليكم

شكرا على مجهوداتكم.
أنا متزوجة منذ أربع سنوات بدون أطفال، زوجي كان عنده مشكلة كبيرة في الحركة وتشوهات الحيوانات المنوية، وتحاليله تتحسن وتسوء من فترة لأخرى، كنت دائما مساندة له، ولم أشك يوما من شيء، عانيت من تأخر الحمل، وإجهاضين، وبعد الثاني قمنا بتحاليل الخريطة الصبغية، ووجدت مشكلا لدي يسبب أيضا الإجهاضات، ولكن بالإمكان الإنجاب السليم بعد محاولات أخرى، واقتنعنا بالأمر.

مر الوقت وأجهضت للمرة الثالثة، ويوم خروجي من المشفى تخلى زوجي عني، وأخبرني بإصراره على الطلاق لهذا السبب، صدمت كثيرا خاصة أن الاطباء لم يؤكدوا لنا السبب الحقيقي هل مني أم منه، ولكنه مقتنع تماما.

نفسيتي محطمة جدا ، فقد أحببته كثيرا، لكنه تخلى عني وآذاني كثيرا؛ لأنه أخبر العائلتين بخصال ذميمة ليست في، وأنه لم يكن مرتاحا معي منذ البداية، وهذا كله باطل، حتى أن أهله لم يتدخلوا ولو لمرة للصلح، وسبوني وساندوه في قراره، لقد كنا متفاهمين جدا ، حتى انقلب فجأة، وقرر التخلي عني.

حاولت كثيرا الحديث معه وإقناعه بالعدول عن الأمر، واليقين بالله والصلاة، والدعاء (هو لا يصلي إلا نادرا)، لكنه يكره حتى التواصل معي، وبدأ بإجراءات الطلاق.

كيف أتجاوز هذه المحنة؟ علما أنني أصلي كثيرا، وأذكر الله كثيرا، لكن اشتد علي الأمر. أخاف كثيرا من عدم الاستقرار بعده؛ لأنني أحببته حبا شديدا، هل أنا إنسانة سيئة؛ لأن عندي مشكلا بسيطا بالجينات؟ حالتي الصحية ممتازة، والأطباء يشكون بأن السبب منه، ويجزمون بأن احتمال الحمل والإنجاب مستقبلا ممكن جدا، فقط يجب أن نستمر في المحاولة.

المرجو منكم نصيحتي بكيفية تقبل هذا الأمر وتجاوزه، فقد اشتد علي الحال، -والحمد لله- دائما وأبدا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابتسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم البر الرحيم أن يحفظك بحفظه، وأن يسترك بستره، وأن يرزقك الخير في حياتك والمعافاة، إنه ولي ذلك ومولاه.

أختنا الكريمة: الحياة التي نعيشها هي دار كدر وابتلاء، الإنسان فيها حتما مبتلى، من الأخوات من تبتلى بالعقم، وتنظر إليها التي لم تتزوج قط على أنها في نعمة كونها متزوجة فقط، أو على الأقل عاشت فترة متزوجة، والعانس كذلك تنظر إليها العانس المريضة على أنها في نعمة وعافية؛ لأنها صحيحة البدن، والعانس المريضة تنظر إليها العانس المريضة التي لا تجد دواء لمرضها ولا قدرة عليه على أنها في نعيم تتمنى أن تكون مكانها، وهكذا -أختنا الكريمة- الجميع ينظر بعضهم إلى بعض، والجميع مبتلى، وقد قال الشاعر:
ثمانية تجري على الناس كلهم*** ولابد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة***وعسر ويسر ثم سقم وعافية

ثانيا: اعلمي -أيتها الفاضلة- أن الله جعل الدنيا دار ابتلاء وتمحيص: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وأن أشد الناس ابتلاء أكثرهم قربا من الله، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله, أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل, فيبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه, وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه, فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة).

والناظر إلى أفضل خلق الله وهم الأنبياء علم ذلك جيدا، قال تعالى: (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير) آل عمران/184 .

وقال تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) الصف/5 .

وقال تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) التوبة/61 .

وقد ابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له، وبالإلقاء في النار، قال الله تعالى حكاية عنهم: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء/68-70.

وابتلي كذلك بذبح ابنه إسماعيل ( فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم) الصافات/102-107 .

ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله " الطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم".

ثالثا: اعلمي -أيتها الكريمة- أن العقبى بعد كل بلاء العافية، والخير فيما قدره الله وقضاه، ولو تأملت كما قال ابن القيم: حال أبينا آدم -صلى الله عليه وسلم- وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة.

وتأملت حال أبينا الثاني نوح -صلى الله عليه وسلم-، وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى أقر الله عينه، وأغرق أهل الأرض بدعوته، وجعل العالم بعده من ذريته، وجعله خامس خمسة وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل، وأمر رسوله ونبيه محمدا أن يصبر كصبره، وأثنى عليه بالشكر فقال: (إنه كان عبدا شكورا)، فوصفه بكمال الصبر والشكر.

ثم تأملت حال أبينا الثالث إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء، وعمود العالم، وخليل رب العالمين من بني آدم، وتأملت ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله، وتأملت كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلا لنفسه، وضاعف الله له النسل، وبارك فيه، وكثر حتى ملؤوا الدنيا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة ، وأخرج منهم محمدا -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم...

ثم تأملت حال الكليم موسى عليه السلام، وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلمه الله تكليما، وقربه منه، وكتب له التوراة بيده، ورفعه إلى أعلى السماوات، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره، فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجره إليه، ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه، وخاصم ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله، وربه يحبه على ذلك كله، ولا سقط شيء منه من عينه، ولا سقطت منزلته عنده، بل هو الوجيه عند الله القريب، ولولا ما تقدم له من السوابق، وتحمل الشدائد والمحن العظام في الله، ومقاسات الأمر الشديد بين فرعون وقومه، ثم بنى إسرائيل وما آذوه به، وما صبر عليهم لله: لم يكن ذلك.

ثم تأملت حال المسيح -صلى الله عليه وسلم- وصبره على قومه، واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه، وقطعهم في الأرض ومزقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر..

فإذا جئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلون الأحوال عليه من سلم وخوف، وغنى وفقر، وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو إلى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله، ولم يعط نبي ما أعطيه، فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه، وجعله سيد الناس كلهم، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاها، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته، وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا، وساقه بها إلى أعلى المقامات.

رابعا: كانت هذه التقدمة على طولها مهمة جدا لك، وإذا ما فهمتيها جيدا وآمنت بها علمت قطعا أنك في عافية، وكان هذا معينا لك على تجاوز ما أنت فيه من ألم، وإذا أضفنا إلى ذلك:

1- إحسانك إلى زوجك ومقابلته الإحسان بالسوء.
2- عدم صلاته أو التقطع فيها.
3- اجتهادك في التواصل معه ورفض كل تواصلك.
4- افتراؤه عليك بما ليس فيك.

علمت أن الله أراد بك الخير، ونحن نقول لك: حتى لو لم يطلقك وأرادك للرجوع، عليك أن تشاوري أهلك، وتضعي من الضمانات ما تحفظين به حقك، -أختنا-.

وأخيرا: أنت لست سيئة لوجود مرض ألم بك، ولا لأنه قلاك وتركك، بل لعل في الشر الخير وأنت لا تعرفين، ولعل فيما حدث لك الصلاح، فأملي في الله خيرا، وأكثري من الصلاة والنوافل والأذكار، وسلي الله أن يرزقك الخير، وأن يرضيك به، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات