السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مستشارينا الأفاضل: حفظكم الله ورعاكم، وجزاكم الله خيرا في الدنيا والآخرة؛ لما تقدمونه من نصائح قيمة، تفيد كل من يهتم بالتربية الصحيحة، وبالله التوفيق.
أنا أم لثلاثة أطفال؛ بنت وولدين: بنت 8 سنوات وولدان 6 و3 سنوات مشكلتي في ابني الوسط هو ذكي وناجح، يحفظ جزء عم، والآن في منتصف الجزء الثاني، ولكنه سريع الانصهار مع الأطفال ذوي الأخلاق السيئة حتى أنه إذا اجتمع مع مجموعة من الأطفال ـ يختارهم ويميل إلى اللعب معهم ـ يكتسب منهم كل شيء سيء ويطبقه.
هذه مشكلة، والأخرى: أنني عرفت أنه تعلم عادة السرقة للأسف الشديد، وكل هذا اكتشفته الآن في هذا العمر: السادسة.
وأول مرة كانت أنه أخذ من الفصل في المدرسة بعض النقود، وفي نهاية اليوم الدراسي سألتني المدرسة: هل أنا أعطيته هذا المبلغ اليوم؟ وكانت الصدمة لي. قلت: لا. قالت: إذن تحدثي معه في البيت.
وبالفعل تحدثت معه على انفراد حتى أنني ـ دون أن أشعرـ وجدت نفسي أبكي بكاء شديداـ وأنا أحدثه في الأمر ـ إلى أنه هو الآخر بكى معي وتأسف، ولم أخبر أحدا بهذا الموضوع، حتى والده؛ لأنها كانت أول مرة حسب علمي، وتكررت مرة أخرى بأن أخذ لعبة من الفصل دون أن تراه المدرسة وأتى بها إلى البيت، وبما أننا نعرف اللعب الموجودة في البيت عرفنا أنه سرقها من المدرسة، وعاتبناه أنا ووالده وأخبرناه أن الله سيقطع يده إذا ما مارس هذه العادة القبيحة، وطلبنا منه أن يعيد اللعبة حتى ولو أدى الأمر إلى فضيحته أمام المدرسة والطلبة، ولكنه أعادها دون أن يراه أحد منهم.
لا أدري ماذا أقول؟ نحن في بلاد الكفر ويخيفني جدا تصرفاته وأراه دائما يحب الأشخاص الشاذين: مثل الذين يلبسون الحلقات في أذنهم، والحلاقات العجيبة للشعر تعجبه أيضا. أنا خائفة جدا ولا أعرف ماذا أفعل! لست أنا وحدي بل وزوجي أيضا أصبح خائفا؛ لأنه مازال صغيرا على تلك الأشياء، نحن كنا نعتقد أن تلك الأشياء والمخاوف ستأتي عند سن المراهقة وأنا أراها مبكرة جدا.
ما هو الحل في رأيكم في التصرف مع هذا الابن؟
ساعدوني بالنصح، جزاكم الله خيرا.
ملحوظة: أحيطكم علما بأننا مخصصون له ولأخوته مصروفا أسبوعيا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم البراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا لا نوافق على تسمية ما قام به سرقة؛ لأن السرقة إجرام، وهي لا تصدر إلا عن علم وتخطيط ومكر وتدبير وأخذ للأشياء من حرزها بالخفاء، وكل ذلك لا يتصور في حالة هذا الطفل الذي يعتقد كغيره من الأطفال أن كل ما يعجبه هو ملك له، وهنا يأتي دور الأسرة في تعليم الطفل حدود الملكية الشخصية، والاجتهاد في تلبية طلباته حتى لا يشعر بالحرمان، وأرجو أن تكونوا هادئين في المعالجة؛ لأن التشنج والغضب وتهويل الأمر لا يزيد المشكلة إلا تعقيدا.
والأم الناجحة تغربل وتصفي الألفاظ وتصرفات أطفالها عند عودتهم من المدرسة أو الشارع وتنظر في عيونهم فللعيون لغة تخبر بما وراءها، وتتأمل في وجوههم لتعرف إن كانوا متضايقين أو سعيدين، وتنظر في جيوبهم وحقائبهم حتى لا يدخل للدار ما ليس لهم، وتنتبه لألفاظهم لتخرج كل قبيح مع النعال، حتى لا يتأثر بذلك بقية الأطفال.
ومن الضروري أن لا تكون الإجراءات بالطريقة البوليسية، ولكن أن تكون على الملاطفة وبمنتهى الحب، حتى يشعر الطفل أنه محبوب، وأنه آمن، وأنجح أساليب المتابعة ما كان مبينا على الوضوح، فلو أجلست الأم الطفل على رجلها وقبلته ومسحت على رأسه وأعلى ظهر وحاورته، فسوف يخرج لها كل ما عنده، وقد أحسنت تلك المدرسة صنعا، وأرجو أن تحاولي معرفة أوجه الصرف وقيمة المشتريات لأطفالك للمقارنة بين ما يملكون من المال وما تمكنوا من شرائه.
وأرجو أن تعلنوا لهم في المنزل وتقولوا للجميع: إذا وجد الإنسان شيئا يعجبه عند غيره فلا ينبغي أن يلتفت إليه ولكن إذا جاء للبيت يخبر والديه بأنه معجب باللعبة الفلانية، وأنه نتمنى أن يشتريها له الأهل، وعند ذلك تبدأ بمحاورة الطفل لمعرفة الحاجة الفعلية لطلباته وترتبيها حسب ظروف الأسرة وإمكاناتها.
وإذا جاء إلى المنزل ومعه أشياء لا يملكها فلا تجبروه على ردها علانية إلا بعد التنسيق والترتيب مع المعلمة، حتى تخرج المسألة من باب رد الحقوق وفضيلة الأمانة، ونشكر الطالب على ذلك، وتجعل من هذا الموقف فرصة للتربية والتوجيه، واعلموا أن من مصلحة هذا الطفل الستر عليه، وكتمان هذا الأمر حتى لا نكسر عنده حاجز الحياء فندفعه إلى العناد والشقاء، وللإعلان عن هذا السلوك سلبيات أخرى، منها أنه سوف يصبح المتهم الأول، وقد يوجد من يناديه: يا سارق، وقد اعترف بعضهم بأن الذي دفعه للاستمرار في طريق السرقة هو كثرة تذكير المعلم له بجريمته حتى عند الإجابة، كان يقول له: قم يا سارق وتعال يا سارق، وإذا فقد شيئا يقول أمام الطلاب: أكيد هذا فلان السارق.
وإذا لم تكن لكم ضرورة فنحن ننصحكم بالرجوع إلى ديار الإسلام، فإن الإنسان إذا أصبح له أطفال وكانت البيئة فاسدة، صعب عليه الأمر، وأنتم أعلم منا بأحوال الذين فقدوا أبناءهم، والرسول صلى الله عليه وسلم برئ من مسلم يقيم بين أظهر المشركين لما في ذلك من خطورة على الدين وتكثير لسواد الكافرين، فإن مثل هذه الأشياء الشاذة لا نكاد نسمع بها في ديار المسلمين، والعافية لا بعد لها بعد الإيمان شيء.
ونسأل الله أن يسهل أمركم، وشكرا على الاهتمام والسؤال، ومرحبا في موقفك مع الآباء والأخوات.
وبالله التوفيق والسداد.