السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة بعمر ٢٤ عاما، لدي أخ و٣ بنات، أنا أكبرهم، سؤالي: عن تعامل والدي معنا، أبي سريع الغضب، ولا يقبل منا أبدا مناقشته، ولا يقبل التفاهم، بل يضربنا ويضرب أمي حال غضبه، وألفاظه سيئة جدا من السب والشتم، ويشتمنا ويتخاصم معنا كأننا نساويه قوة!
نحن -بفضل الله- ملتزمات، ومعلمات قرآن كريم، وعلوم شرعية، أنا وأخواتي البنات، ومن خريجي الأزهر -بفضل الله- أزعم أننا متميزات وعلى خلق، ولكنه أبدا دائما يسبنا وينعتنا بعدم الفهم، وأنه الأفضل.
والأمر من ذلك أنه يحادث النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، سبحان الله، على مرات متفرقة اكتشفنا الأمر أنا وأخواتي، كل منا على حدة، وصل الأمر إلى مناقشات غير لائقة أبدا، ورغم محادثة إحدى أخواتي معه بلطف وتذكيره بأمر الآخرة، ولكنه لا يتوقف أبدا، يرى فقط أنه واجب عليه أن يطعمنا فقط.
الحمد لله، أنا وأخواتي نعمل، ولا نطلب منه الكثير أبدا، ولكنه بدأ يركن لما معنا من مال، ويتكاسل عن العمل، ويتحجج بحجج واهية، ويجلس فقط على الهاتف لا يتركه نهائيا.
أنا وأخواتي ضاق بنا الجلوس معه في مكان، وكان مغتربا لمدة ٤ أعوام، أزعم أن الأهل كانوا أكثر راحة بالنسبة لنا، الآن عدنا منذ عامين تقريبا للجلوس معه، وزاد الأمر سوءا.
سؤالي هو: كيف يكون التعامل معه؟ أمي تتألم حقا، لا أدري كيف نساعدها! نحاول أن نهون على أنفسنا، ولكن تأذت نفسيتنا جميعا، فمنذ صغري وأنا أكبر إخوتي أشعر أنه لم يعد لدي قدرة على التحمل، يعلم الله أني أحاول، ولكن لا أستطيع أبدا الشعور بمحبة تجاهه، كيف نتعامل معه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي والدكم لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
نحن نقدر الصعوبات التي تواجهكم في التعامل مع هذا الوالد، الذي نسأل الله تبارك وتعالى أن يهديه، ونحب أن نؤكد لكم أن من البر لهذا الأب الصبر عليه، وإذا لم نصبر على الوالد أو الوالدة فعلى من يكون الصبر؟ وعليه أرجو أن تكثروا من الدعاء لأنفسكم وله.
ثانيا: عليكم أن تشجعوا الوالدة وتحثوها على الصبر والاحتساب، فإنها قد صبرت الكثير، وأيضا اهتمامكم بها يخفف عنها من صعوبة ما يحدث.
ثالثا: أسعدنا أن إحدى الأخوات تكلمت معه، ونتمنى أن تواصل في النصح والإرشاد له، ونجعل همنا هداية هذا الأب، و(لأن يهدي الله بك رجلا واحدا - طبعا أو امرأة - خير لك من حمر النعم)، فكيف إذا كان الرجل الذي نسعد بهدايته هو والدنا، وهو صاحب الفضل علينا، بعد الله تبارك وتعالى.
لا يخفى عليك -وأنت معلمة القرآن- أن حق الوالد عظيم، فلو أمرنا بأن نشرك بالله، فإن الله قال: {فلا تطعهما} ثم قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، فالصحبة بالمعروف ينبغي أن تبقى، حتى مع أمره بمعصية، لكن أمر الله ببره.
بالنسبة للأموال: أرجو ألا تحرموه من الأشياء المهمة، (الأكل - الشرب) الأشياء التي يحتاجها، مهما حصل منه، ولكن إذا كانت هذه الأموال يستعين بها على المعصية عند ذلك ينبغي أن نجتهد في أن نأتي له بأشياء مادية، نشتري له ثوبا، نشتري له الاحتياج الذي عنده، نأتي له بالأكل والشرب، ولا نعطيه أموالا في يده، ونحاول دائما أن نجعل لهذه الأموال سبيلا، في أن ندخل في مشاريع، ونسأل الله أن يعينكم على الخير.
بالنسبة للمشاعر السالبة: نسأل الله أن يزيلها، لكن ما دامت مخفية وما دامت مكتومة، وما دامت لا تظهر آثارها على تعاملكم معه، فلا يضركم ذلك، ولا حرج في ذلك، واعلموا أن البر عبادة لرب البرية، بر الوالدين من العبادات العظيمة، بل هي عبادة ربطها الله بعبادته وطاعته، وإذا قام الشاب أو الفتاة بما عليه تجاه والده أو تجاه والدته، وكان بعد ذلك من الوالد جحود أو إنكار أو سوء معاملة؛ فإن هذا لا يضرنا، لأننا نتعامل مع الذي يعلم السر وأخفى، ونأخذ الأجر على برنا من الله تبارك وتعالى.
لذلك جاء بعد الآيات التي تكلمت عن بر الوالدين والإحسان إليهما: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} جاء في ختامها: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من البر والخير والإخلاص {إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، ذكر العلماء أن في الآية عزاء لمن قام بما عليه ولم يجد ما يقابله من الوالد، يعني يستمر في التعامل مهما كان الأذى، هنا العزاء له، لأن أجره ثابت عند الله تبارك وتعالى.
نسأل الله أن يعينكم على الاستمرار في البر والإحسان، وأن يقر أعينكم بصلاح هذا الوالد وعودته إلى الحق والخير والصواب، وأن يعين الوالدة على الصبر، وندعوكم إلى أن تتعاونوا بلطف، وتختاروا الأوقات المناسبة لنصحه وإرشاده، ولا تحرموه من حقوقه.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.