السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا في العشرين من عمري، وقد هداني الله منذ بضعة أشهر -ولا أزكي على الله أحدا- فقد كانت حياتي في السنوات الماضية مليئة بالمعاصي، وكانت محور حياتي، ولكن -الحمد لله- تخليت عن كل هذا ليرضى الله عني، وبدأت في الصلاة، وصلاة النوافل، والأذكار، وقراءة القرآن، وحتى قيام الليل، وأصبح حسابي أمام الله -عز وجل- كل ما يدور في ذهني.
شعرت في بداية هذا الطريق بالسعادة؛ لأن الله أنعم علي بالهداية بعد الضلال، ولكني أعاني من بعض المشاكل النفسية، مثل: الاكتئاب منذ سنوات، والتوتر، والوسوسة، وما شابهها، فدائما ما كنت أخاف أن يؤثر هذا على الشوط الذي قطعته، ويهدم كل ما بنيته بعد ما هداني الله.
أحيانا كنت أكثر في الطاعات (من وجهة نظري)، وأحيانا أقوم بالفروض فقط خوفا من أن أثقل على نفسي، فأنتكس وأهجر الفروض تماما؛ لأن هذا نمط يحدث دائما معي في كل شيء، ودائما ما يحصل في ما يتعلق بالعبادة.
أرسل لكم هذه الرسالة لعدة أسباب: وهي أنني أشعر بالذنب لتقصيري الشديد؛ لأني لا أملك ما يدفعني حتى للاستيقاظ؛ لذلك شعرت بالنصر في بداية هدايتي؛ لأني أقوم بعدة عبادات، وأنا أصلا لا أقوم بأمور الحياة الطبيعية كالأكل، الاستحمام، والاستيقاظ مثلا، وأشعر بالذنب لأني لست كالفتيات اللائي كأنهن من أمهات المؤمنين، أشعر أن الله غير راض عني، وأن هدايتي كانت مجرد فتنة.
أشعر أني قذرة (عذرا) وأني لا يجب أن أستمتع بالدنيا أو أشاهد أفلام الكارتون أو الألعاب، أشعر أن كل ما أفعله حرام، وأنه يجب أن أحبس نفسي بعيدا عن كل شيء، حتى أحلامي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جمانة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.
أولا: نهنئك بما من الله تعالى به عليك من التوبة والهداية والاستقامة، فينبغي أن تشكري نعمة الله تعالى عليك؛ فهذا فضل الله قد حرم منه أناس كثيرون، في الوقت الذي هداك الله تعالى للصلاة والقيام بما تقدرين عليه من الطاعات، في نفس الوقت يحرم من هذا الخير أناس كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله، فتذكري هذه النعمة الجليلة، وتذكرك لهذه النعمة وفضل الله عليك يغرس في قلبك الحب لله، والنشاط لمزيد من الطاعات والعبادات.
وأما ما تعانين منه –أيتها البنت الكريمة– من مشاكل الاكتئاب وما يصاحبه من توتر ووسوسة وغير ذلك؛ فدواؤه من ناحية الطاعات أن تعلمي أن الله -سبحانه وتعالى- يرضى منك بأداء الفرائض فقط، والفرائض أمرها قليل وسهل ويسير، فحاسبي نفسك على أداء فرائض الله، أي أن تفعلي ما أمر الله تعالى به، وتجتنبي ما حرمه -سبحانه وتعالى- وهذا أمر في غاية البساطة واليسر.
ثم بعد ذلك إذا تيسر لك أن تفعلي شيئا من المستحبات والسنن؛ فهذا نور على نور، وفضل وخير يضاف إلى الخير والفضل الذي من الله تعالى به عليك في أداء الفرائض، ولست مقصرة أبدا إذا أديت الفرائض، وإن لم تكثري من النوافل؛ فالله -تعالى- قد بين لنا في الحديث القدسي الطريق الموصلة إلى محبته سبحانه، فقال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه)، ثم قال: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
فلا تلتفتي إذا إلى وساوس الشيطان حين يحاول أن يشعرك بأنك لم تصلي إلى محبة الله، ولن تبلغي رضوان الله، فهذه أوهام شيطانية يحاول بها أن يصرفك عن طريق الهداية والاستقامة والصلاح، واعلمي أن الله تعالى غني عن عباداتنا وطاعاتنا، لا تنفعه طاعاتنا، ولا تضره معاصينا، ولكنه يختبرنا فقط ليرى -سبحانه وتعالى- صبرنا على طاعته، فاصبري واحتسبي، وتقربي إلى الله بما تقدرين عليه من الطاعات، فكل ذلك مدخر لك محسوب؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ولا تلتفتي إلى وساوس الشيطان، وما يحاول أن يوهمك به أنك لست على حال من الطهارة التي يرضاها الله، وأنك غارقة في الذنوب والآثام، كل ذلك من محاولات من الشيطان ليغرس في قلبك الحزن والسآمة، ويصرفك عن الطاعات، فلا تلتفتي إلى هذا.
اشكري الله كثيرا، وتذكري فضل الله عليك بتوفيقه لك أن تفعلي شيئا من الطاعات، في الوقت الذي فيه حرم كثيرون، فهذا فضل الله ينبغي أن تفرحي به، كما قال الله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس: 58].
نوصيك بكثرة المصاحبة والمجالسة للنساء الصالحات والفتيات الطيبات؛ فإنهن خير من يعنك على توبتك وطاعتك، املئي وقتك بما يعود عليك بالنفع، سواء من أمور الدين أو من أمور الدنيا؛ وبهذا ستضمنين استمرار سيرك في الطريق الصحيح، الذي يوصلك إلى رضوان الله وجنته.
نسأل الله تعالى لك مزيدا من الهداية والخير والصلاح.