أتعبتني الذكريات فكيف أتجاوز الماضي وأعيش حياتي؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي باختصار: أنا شاب عمري 22 سنة، في صغري تعرضت للضرب كثيرا، وكذلك الصفع علي وجهي من والدي ووالدتي، كنت متفوقا وناجحا في دراستي، ولكني لم أحصل علي الدافع والتشجيع من والدي أو والدتي حتى بدأ مستواي الدراسي بالانخفاض، كنت أفضل الصمت والبكاء بمفردي، وفقدت الرغبة في الحياة في سن مبكرة، والآن كبرت وأشعر أنني مقيد في سجن الذكريات، ولا أستطيع الخروج منه.

عندي رغبة في الانتقام من كل شخص آذاني، أشعر أني تائه، أتمنى أن يرجع الزمن للوراء كي أسترجع قدرتي وأتمكن من مواصلة الحياة بشكل طبيعي، تأخرت في دراستي وأشعر بالحزن وعدم القدرة على فعل أي شيء حتى اللعب.

شخصيتي تغيرت وصرت شديد الانفعال والغضب، وكلما تذكرت ما حدث يزداد غضبي وتشتعل رغبتي في الانتقام، لدرجة أنني أقوم بشد شعري وضرب نفسي بسبب الغضب، لا أحتمل أي إهانة أخرى، أو أي تعد على حقوقي، فهذه الأمور لو حدثت تجعلني أتحول إلى وحش.

التفكير اللا إرادي يسيطر على عقلي، ويجعلني أشاهد ما حدث لي وكأنه فيلم في مخيلتي، وهذا يعطل مهامي اليومية، أشعر بالوحدة، وفي بعض الأحيان أجد نفسي أواصل البكاء باستمرار على مدار اليوم، وأحيانا أشعر بأني بلا مشاعر، أو لدي حماس شديد وسعادة كبيرة، ولكن سرعان ما ينقلب هذا الشعور للأسوأ، وأشعر في بعض الأوقات أن عقلي شارد وغير قادر على التفكير تماما.

آسف على الإطالة، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك –أخي الفاضل– عبر استشارت إسلام ويب، ونشكر لك أنك تماسكت مع نفسك وكتبت إلينا بهذا السؤال.

أخي الفاضل: لا شك أن سؤالك أحزنني لما شعرت به مما عانيته أنت في طفولتك، مما سبب الحال التي أنت عليها الآن، من هذا الشعور بالغضب والاستياء والرغبة بالانتقام، والشعور أيضا بالعجز وعدم القدرة على فعل ما يفيد، أو متابعة طريقك وطريق نجاحك.

لا شك أن ما مررت به أمر مؤلم، إلا أنه بشكل من الأشكال أصبح وراء ظهرك، والتحدي الكبير الآن هو كيف تتجاوز ما حصل، وتنطلق إلى الأمام. نعم لا شك ستذكر ما حدث في الماضي بين الحين والآخر، إلا أني أرجو منك ألا تجعل ما حصل في الماضي عقبة أمام شق طريقك في هذه الحياة، فأنت في هذا العمر من الشباب في الثانية والعشرين من العمر، وبإذن الله عز وجل وعونه ستضع ما حدث خلفك، وتحاول أن ترمم جوانب شخصيتك ونفسك، مبتدئا بما يمكنك عمله اليوم، مهما كان عملا بسيطا طالما هو إيجابي، فيمكن مع الوقت أن يزداد حجم هذا العمل الإيجابي حتى تخرج كليا مما عانيته في الماضي.

أخي الفاضل: لنا في التاريخ قصص كثيرة ممن عانوا مثل ما عانيت أو أكثر أو أقل، إلا أنهم ومن خلال التصميم ثم الاستعانة بالله -عز وجل- استطاعوا تجاوز ما حصل، والقصص كثيرة في هذا، سواء من المسلمين العرب أو الأجانب الذي تجاوزوا تحديات طفولتهم الأولى، ثم أصبحوا من المتفوقين أو الناجحين أو المبدعين، ولا أظن أنك بأقل منهم لتصل إلى ما وصلوا إليه، يقول الله عز وجل: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، ويقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11].

فحاول –أخي الفاضل– أن تقلب صفحة الماضي وتبدأ اليوم قبل الغد بأن تتطلع إلى المستقبل، مستعينا بعد الله -عز وجل- بقدراتك –مهما كانت متواضعة–، فمن خلال ما أنت قادر عليه اليوم ستستطيع غدا ما أنت عاجز عنه الآن، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (‌اعملوا، ‌فكل ‌ميسر لما خلق الله).

فالعمل العمل مستعينا بالصلاة والقرب من الله عز وجل، والصحبة الصالحة، والهمة والعزيمة، لتقلب كل ما حدث في الماضي من أمور سلبية إلى أمور إيجابية.

داعيا الله تعالى لك بالتوفيق والسداد والنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة

الاستشارات