السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 22 سنة، لم أحقق أي شيء يذكر طوال هذه السنوات، وبعض معارفي حققوا المستحيل، وأنا أواجه الانتكاسات فقط، والتأخير الخارج عن إرادتي.
كرهت الحياة وكل شيء متعلق بها، ما الفائدة من تحقيق شيء بعد تأخره 5 سنوات؟ لماذا لم تتح الفرص المناسبة لي حتى أتحرك؟ إضافة إلى ما سبق وجودي في هذا البلد الذي يعاني سلسلة من الانتكاسات المتتالية واللامتناهية جعلني أكره اليوم الذي ولدت فيه.
وجودي في هذه الحياة لا معنى له ولا قيمة، أعيش مثل الدواب -أكرمكم الله- في هذا السجن الواسع، وموتي سيكون أفضل شيء يحصل لعائلتنا.
في معظم الأحيان تأتيني نوبات غضب شديدة جدا مما حصل معي في السنوات السابقة، ولا أستطيع النوم براحة كافية، أو الأكل والشرب بشكل اعتيادي.
ختاما: أود القول بأني مجرد رقم ليس إلا، ومسيرتي الدراسية استغرقت وقتا أطول بكثير مما يجب، وحتى لو حصلت على شهادة الدكتوراة فأنا شخص فاشل على كل حال.
أعتذر عن كلامي الكثير، وأود أن أشكركم مجددا على جهودكم الرائعة لمساعدتنا، والنهضة بالأمة الإسلامية، وبارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.
حقيقة قرأت سؤالك أكثر من مرة وحاولت أن أقرأ أيضا ما بين السطور، فلا شك أن كتابتك لهذا السؤال بهذه التفاصيل لم يكن بالأمر السهل، وواضح أنك تعاني كل هذه السنوات، ولا شك أننا كلنا يعلم كم حجم معاناتكم في ليبيا الحبيبة بسبب كل ما يحدث فيها من نزاع واقتتال، وما أصابها مؤخرا من الفيضانات والإعصار، كان الله معكم حيث عشنا هذه المحنة معكم ساعة فساعة، -فرج الله عنكم وخفف عنكم-.
أخي الفاضل: بالرغم من كل المعاناة، وبالرغم من بعض اليأس الذي بدأ يلمس القلوب، فإنك بكتابتك إلينا ما زلت تبحث عن المخرج، وعن الحل لتحسين الوضع.
أخي الفاضل: يقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، لا شك أن معاناتك صعبة إلا أن الإيجابية والعزيمة والتصميم على التغيير رأس مال حقيقي، وهنا يمكن أن تكون نقطة التحول في حياتك، يقول الله تعالى في سورة الرعد: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، إن التغيير الحقيقي -أخي الفاضل- ليس في البلد، وإنما داخل نفوسنا، فإذا غيرنا ما بالداخل يمكن أن يتغير ما بالخارج، وإن كان هذا التغيير الخارجي سيأتي بالتدريج وليس دفعة واحدة.
أخي الفاضل: سأشرح لك:
الأمر الأول: أن تبدأ بالتركيز على برنامجك اليومي، مما تقوم به من أعمال خاصة أنك طالب، رغم التقصير الذي أشرت إليه ركز من اليوم على دراستك، حاول أن ترتب جدولك اليومي بشكل صحيح، واحرص خلال كل ذلك على عدة أمور، منها: العلاقة الجيدة مع المدرسين والزملاء من حولك، والصلاة، واللجوء إلى الله عز وجل، فهذا يعطيك الطمأنينة، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، والحرص على ممارسة الرياضة، وخاصة أنك في هذا العمر من الشباب.
إن الرياضة مضادة للاكتئاب، فيمكن أن يتعدل عندك المزاج من خلال ممارسة الرياضة، هذا طبعا بالإضافة إلى ساعات نوم مناسبة، وتغذية صحية متوازنة، هذا الأمر الأول.
أما الأمرالثاني: إذا صعب عليك القيام بكل هذا التغيير، فأنصحك بأن تتحدث مع المشرف أو الأخصائي النفسي الذي في مدرستك أو جامعتك على حسب المستوى الذي أنت فيه، فلعله يرشدك إلى بعض الخطوات العملية لتخرج من هذه الحالة السلبية التي أنت فيها.
داعيا الله تعالى لك بتمام التوفيق والسداد والتفوق.
++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة: د.مأمون مبيض .. استشاري الطب النفسي.
تليها إجابة: د. صخر الغزالي .. استشاري تربوي.
+++++++++++++++++++++++++++++++++
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخي العزيز: لا داعي لهذه اللغة المليئة باليأس والعجز، وأنت لا تزال في مقتبل العمر وبداية الطريق، فلغة اليأس لها انعكاسات سلبية كبيرة على صحتك النفسية، وقدرتك على الخروج من واقعك، وتحقيق النجاح والتغيير، كما أنها لا تزيدك إلا عجزا وضعفا وتراجعا، وقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يصيبنا شيء أن نستعين بالله ولا نعجز، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فهذا حال المؤمن عندما يصيبه شيء يقول: "قدر الله وما شاء فعل".
أما عمل الشيطان هنا أن يزيدك حزنا ويأسا وعجزا، فالشخص العاجز اليائس مشلول التفكير، عاجز عن إيجاد الحلول، أو السير في طرق النجاة، ويجد متنفسه في جلد الذات، والرفض والاعتراض والهروب من أي اتهام للنفس بالتقصير، لذلك نوصيك أن تبتعد عن هذه اللغة المليئة بالإحباط واليأس كخطوة أولى ومهمة للخروج مما أنت فيه.
فهم الحياة ومعرفة طبيعة النجاح، وفهم أقدار الله تعالى في تدبير أحوال الناس، والإيمان العميق بقضاء الله وقدره، كل ذلك مما يحول تلك الصدمات والإخفاقات إلى تجارب يتعلم منها الإنسان، ويكتسب منها المزيد من الخبرة في حياته، وهذا مما يعزز تكرار المحاولة والنجاح في المستقبل، فلو توقف الإنسان أمام أول عقبات الحياة، وإلا لما نجح أحد في الدنيا.
ينبغي أن تعلم أن الإنجاز في الحياة وتحقيق النجاح له خطوات وله أسباب، فهل سألت نفسك بصدق –قبل أن تلومها- هل أنا حققت أسباب التفوق واجتهدت في أسباب التغيير؟ أم أن ما أشعر به هو نوع من تبرير الإخفاق ومحاولة الهروب من لوم الذات، أم مجرد أماني وأحلام لم أجتهد في تحقيق أسبابها حتى أصل لتحقيق النتائج؟
أخي العزيز: الفرص لن تبحث عنك ولكن أنت من يبحث عنها وعن وسائلها، وتهيئة نفسك عندما تجد أي فرصة أن تكون على استعداد لاغتنامها، فهذا سنة إلهية، إن التغيير من حال إلى حال يبدأ أولا من أنفسنا، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...).
أخي العزيز: من أهم خصائص الإيمان بالله تعالى: تعزيز الثقة بالله تعالى عند الشدائد، فاليقين بعلم الله وإحاطته وتدبيره يحقق السلوى عند أي مصاب أو أي شدة، ولك أن تتأمل في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام-، أليس هو نبي وابن نبي وجده نبي ومع ذلك بيع بثمن بخس دراهم معدودة وهو من أشرف خلق الله، ولما دخل السجن دخل معه فتيان، فكان يوسف أطهرهما قلبا وأشرفهما مكانة وأقربهما توحيدا، ومع ذلك خرج الاثنان قبله، فالأول صار خادما، والثاني خرج ليقتل وبقي يوسف في السجن!! فلما جاء الفرج واكتمل الإعداد والتربية خرج ليكون عزيز مصر، فلا تعلم، فلعل الخير يكمن في الشر، ولعل ما تعانيه هو في الحقيقة إعداد وتهيئة لك لفرص أكبر.
انظر وتأمل في العظماء من حولك، ستجد أغلبهم ما وصل إلى ما هو عليه إلا على جسر من التعب والإخفاقات والنكسات، حتى الأنبياء -عليهم السلام- يقول الله تعالى فيهم: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)، والحكمة في ذلك أن الوصول للمجد والمكانة دون تعب أو مجهود تجعل الإنسان لا يعرف قيمته ومنزلته، ومن لم يعرف قيمة الشيء قد يستخدمه في مفاسد كثيرة، أو لا يهتم به، فذهاب أي فرصة أو عودتها بعد سنوات دليل أنها ليست مناسبة في وقت معين، أو أنك لست متهيئا لها، أو لم تعد لها الإعداد الصحيح، أو قد يكون فيها شر لا تعلمه، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
أخي العزيز: مشاعر الإحساس بالضياع واللامعنى من أهم دوافعها تلك الصدمات التي لم تكن تواجهها بقلب مليء بالثقة بالله تعالى، والتحدي الذي يحول المحنة إلى منحة، والثقة بالنفس التي تذهب عنك العجز وتدفعك لتحويل كل الإخفاقات إلى دروس تتعلم منها، كذلك خلو حياتك من مشاعر الإحساس بالإنجازات مهما كانت قليلة وصغيرة فهي التي تشعرك بأن لك معنى ولك رسالة في الحياة.
أخي العزيز: ننصحك بعوده صادقة إلى الله تعالى، فالقلب المتعلق بالله تعالى بعيد عن كل معاني اليأس، أكثر من الدعاء وذكر الله تعالى فالله يقول: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فالقلب المطمئن يمكنه التفكير باتزان في حل مشاكله، ويمتلك العزيمة للسعي في إصلاح نفسه، كما ننصحك بالإكثار من الأعمال الصالحة والخير والإحسان، فكل عمل صالح تقدمه لله يشعرك بالإنجاز والعطاء، والإنجازات تشعرك بأن لك معنى وهدفا في الحياة، لذلك بادر إلى كل عمل صالح، وشارك في الأعمال التطوعية الخيرية في مختلف المجالات، كذلك ننصحك في بناء وتنويع مهاراتك التي ستفتح أمامك الكثير من الفرص، فكلما زادت مهاراتك، كلما كانت الفرص أمامك أكثر، بادر لتوسيع علاقتك، وعدم الانطوائية، فتعزيز العلاقات كذلك يفتح أمامك فرصا أكثر، كما يخرجك من بؤرة الصراع النفسي التي تعيش فيها.
أخي العزيز: ابتعد عن أي تفكير سوداوي، كحب الموت والرحيل من الحياة، وانظر إلى الجانب الجميل في الحياة، وإلى من هم دونك لترى نعمة الله عليه، اذهب إلى المستشفيات لتشاهد المرضى، خالط الفقراء والمحتاجين، ستجد نظرتك للحياة تتغير، وستجد قلبك يردد: "الحمد لله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفصيلا".
أخي: الحزن والأماني باب يحبه الشيطان، ليوصلك للعجز وعدم الإنتاجية، واليأس في الحياة، فلا تتماد فيما يريد واستعن بالله، وتذكر قول الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين).
أسأل الله أن يشرح صدرك للخير، وينور بصيرتك، وأن يذهب همك وحزنك.