السؤال
أبي يتحكم في حياتي حتى وأنا بعمر ٣٠ سنة، وعندما حاولت قبل ذلك أن أتكلم معه نعتني بأبشع الأوصاف، وقال لي كلاما بذيئا.
معاملته قاسية معنا منذ ولادتي، وهذه المعاملة مع كل الأسرة، حتى مع أمنا، إلى أن توفيت رحمها الله، وبقيت أنا وأخي، وما زال يحب التحكم فينا، حتى أصبح ليس لدينا شخصية ولا كلمة.
هل يجب أن أستمر على هذه الحال، وأن أكون صامتا أم ماذا يجب أن أفعل؟
علما بأني إذا واجهته استمر في ألفاظه وشتائمه، وإن سكت ستضيع حياتي، ولن تكون لي شخصية أو مسؤولية، بالإضافة إلى أنه كان يضربنا بسبب وبدون سبب، منذ ولادتنا، إلى وقت قريب.
يقول: إننا عاقون، وإنه يعلم كل شيء، ونحن لا نعلم شيئا.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مستفسر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام ونبشرك بأن الصبر على الوالد مما تؤجر عليه، وإذا لم يصبر الإنسان على والده فعلى من يكون الصبر؟!! ونسأل الله أن يرحم الوالدة رحمة واسعة، وأن يهدي الوالد لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
لا يخفى عليك أن بر الوالدين من العبادات العظيمة، وأن الصبر على الوالد أو الوالدة من أوسع أبواب البر، وليس معنى هذا أننا نؤيد الوالد في الذي يحصل منه، ولكن نحب أن نذكر أنه يظل والدا، وننصحكم بما يلي:
أولا: الدعاء له ولأنفسكم، وللوالدة بالرحمة.
ثانيا: تفادي الأمور التي تغضب الوالد، حتى لا يضطر إلى سبكم والإساءة إليكم، وأعتقد أنكم بعد هذا العمر تعرفون ما الذي يرضي الوالد وما الذي يغضبه، فالحرص على ما يرضيه وتفادي ما يغضبه من أوسع الأبواب التي تجلب لكم الهدوء والسعادة والطمأنينة.
ثالثا: أرجو أن لا تتأثر بما تسمعه من الوالد، لأن الإنسان يصبر على والده، وبعض الآباء قد ينظر للآخرين بنظرة مختلفة، لأنه لا يرى من الآخرين إلا ما ظهر منهم، بخلاف الأولاد الذين عايشوه وعايشهم، ومع هذا فنحن نقول: الإنصاف عزيز.
أيضا مما نوصيك به الحرص على الإقبال على الحياة بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، كلمات الوالد التي في غير مكانها لا تضركم ما دمتم تستعينون بالله وتتوكلون عليه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الصبر على الوالد، وقطعا نحن لا نؤيد الرد على الوالد، لأن الرد لا يزيد الأمور إلا سوءا كما أشرت.
نحب أن نؤكد أن السكوت لا يضركم، لأنكم أعرف بأنفسكم، فالإنسان الذي يعرف ما هو عليه لا يضره كلام الآخرين، والضرب لكم أيضا نحن لا نؤيده، لكن -الحمد لله- أنه توقف الآن، وأرجو أن تتفادوا هذا في مستقبل أيامكم، وفي حياتكم الأسرية.
إذا قمتم بما عليكم فلن يضركم كلام الوالد، لأن البر طاعة لله تبارك وتعالى، وإذا أدى الأبناء والبنات ما عليهم فإن الحرج يرفع، والبر يقبل حتى لو لم يرض الوالد، لأن الإنسان ينبغي أن يتذكر أن بر الوالدين عبادة لله، ولذلك يستحقها هذا الأب مهما كان، حتى لو كان مشركا فلا نطيعه في معصية الله، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما). ثم قال بعدها ليحفظ حق الوالدين: (وصاحبهما في الدنيا معروفا).
استمروا على ما أنتم عليه من الصواب والخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي الوالد للحق والخير والمصلحة، وكل ما فيه رضا الله، وأعتقد أنه مع مضي السنوات سيحتاج لأبنائه، فأرجو أن تعاملوه بما يرضي الله.
نسأل الله لنا ولكم وله التوفيق والهداية.