السؤال
السلام عليكم
المشكلة التي سأطرحها متعلقة بصديقتي، هي تنتمي لعائلة مكونة من ٣ أخوات وأخوين، وهي أصغرهم، فهي بعمري، وقبل ثلاث سنوات توفي والدها، وكانت متعلقة جدا به.
بعد وفاته أصبحت تعاني من صدمة، أشعر وكأنها لا تتعافى منها، فقد تغيرت، كما أنها تقول: تغيرت، وأصبحت باردة المشاعر، لا أعرف كيف أحب، أو أهتم بالآخرين، وأغضب بسرعة على أتفه الأشياء.
ما زاد الأمر سوءا هو أن كل إخوتها وأخواتها متزوجون، بينما هي الوحيد المتبقية مع والدتها، لديها سيارة، ولنا أن نتخيل أن مسؤولية ذلك البيت كله عليها، وخاصة أن والدتها شخص متطلب جدا، تزور الأقارب، وبناتها، وغيرهن، وإذا توفي أحد، أو إذا احتاجت شيئا من المحلات، بمعنى أن صديقتي تقضي ٩٩% من وقتها على الطرقات، ولا أحد من إخوتها يساعدها في حمل ولو نصف هذه المسؤولية!
قبل مدة ليست بطويلة بكت كثيرا، وقالت: أغضب بسرعة، ليس بسبب الأشياء التافهة التي تحدث، بل بسبب مشاعري الداخلية، فكثيرا ما أقول لنفسي: لو أن والدي كان حيا لما اضطررت لفعل كل هذه الأمور، فأنا متعبة جسديا ونفسيا.
أريد مساعدتها لكي تتجاوز هذه المشاعر، فماذا يجب أن أفعل؟ وكيف أتعامل معها؟ وكيف أساعدها لكي تتخلص من هذه المشاعر المكبوتة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشعر بالتعاطف مع ما تمر به صديقتك، ونقدر رغبتك في مساعدتها، وإليك بعض النصائح التي قد تساعدك في دعمها:
1. أحيانا، كل ما يحتاجه الشخص هو أذن صاغية، فكوني مستمعة جيدة لها، دون الحكم أو الضغط عليها للتغير، امنحيها مساحة للتعبير عن مشاعرها وأفكارها.
2. قد تكون هناك حاجة للتحدث مع مستشار نفسي أو طبيب؛ حيث يمكن للمعالج المتخصص أن يقدم الدعم والأدوات اللازمة للتعامل مع مشاعر الحزن والإرهاق.
3. حاولي معرفة إذا كان بإمكانك مساعدتها في بعض المهام أو الأعمال لتخفيف العبء عنها، حتى لو كانت المساعدة يسيرة.
4. شجعيها على أخذ وقت لنفسها، والاهتمام بصحتها النفسية والجسدية.
يمكن أن تكون الأنشطة مثل: المشي في الطبيعة، أو قراءة كتاب جيد للتخفيف من التوتر.
5. في الإسلام، يعتبر الصبر على الشدائد، واحتساب الأجر عند الله من أهم الأمور التي تساعد المرء على تجاوز المحن.
ذكريها بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن كل مصيبة تصيب المؤمن فيها خير له، وفي هذا حديث: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم في صحيحه من حديث صهيب الرومي -رضي الله عنه-.
يعني هذا الحديث أن المؤمن مهما أصابته من مصائب أو محن، فإنها تعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة، وذلك للأسباب الآتية:
- أن المؤمن إذا أصابته سراء فشكر الله عليها، فإن ذلك يزيد من إيمانه ويقربه من الله تعالى، ويزيد من حسناته في الآخرة.
- أن المؤمن إذا أصابته ضراء فصبر عليها، فإن ذلك يكفر الله به من سيئاته، ويزيد من درجاته في الآخرة.
6. إذا كان ذلك ممكنا، حاولي التحدث مع أفراد العائلة الآخرين حول كيف يمكنهم تقديم المساعدة، وتقاسم المسؤوليات.
7. الدعاء لها بالصبر والتخفيف من معاناتها يمكن أن يكون مصدر دعم روحي لها ولك، قال تعالى: ﴿وقال ربكم ٱدۡعونیۤ أسۡتجبۡ لكمۡۚ إن ٱلذین یسۡتكۡبرون عنۡ عبادتی سیدۡخلون جهنم داخرین﴾ [غافر ٦٠].
تذكري أنه لا يمكنك حمل كل أعبائها، لكن وجودك ودعمك يمكن أن يكون لهما تأثير إيجابي كبير على صحتها النفسية.
من الواضح أن صديقتك لا تزال تعاني من صدمة فقدان والدها، وهو أمر طبيعي وشائع، وصدمة الوفاة أو الحزن المعقد، هي عملية يمر بها الكثير بعد فقدان شخص عزيز، إليك شرح عن آلية هذه الصدمة وكيفية التعامل معها:
1. في البداية، قد يجد الشخص صعوبة في تقبل الوفاة، وقد يشعر بالخدر، أو ينكر الواقع، كآلية دفاع لحماية نفسه من الألم الفوري.
2. بعد تجاوز مرحلة الإنكار، تظهر مشاعر الحزن والألم بشكل أكبر، قد يشعر الشخص بالحزن العميق، الغضب، أو حتى الذنب.
3. مع مرور الوقت، يبدأ الشخص في التكيف مع الواقع الجديد، وقد يستغرق هذا الأمر وقتا طويلا، ويختلف من شخص لآخر.
4. في نهاية المطاف، يصل الشخص إلى مرحلة القبول، ويبدأ في إعادة بناء حياته بدون الشخص المفقود.
كيفية التعامل مع صدمة الوفاة:
1. من المهم أن تسمح لنفسها بالتعبير عن مشاعر الحزن والألم، ويمكن أن يكون ذلك من خلال البكاء، والتحدث مع الآخرين، أو حتى الكتابة.
2. الدعم من الأصدقاء، العائلة، أو المجموعات الداعمة يمكن أن يكون مفيدا، والتحدث مع أشخاص يفهمون ما تمر به يمكن أن يقدم الراحة والتفهم.
3. الحفاظ على روتين صحي مهم للغاية، حيث يشمل ذلك: تناول طعام صحي، والحصول على قسط كاف من النوم، وممارسة الرياضة.
4. في بعض الأحيان، قد يكون من المفيد التحدث مع معالج نفسي، أو مستشار للتعامل مع مشاعر الحزن والألم، وخاصة إذا استمرت صدمة الوفاة لوقت طويل، وكانت تؤثر على مسار حياتها.
5. قد يجد بعض الأشخاص الراحة في إيجاد طرق لتكريم ذكرى الشخص المفقود، مثل الاحتفاظ بتقاليد معينة، أو المشاركة في أنشطة كان يحبها.
6. تذكري أن التعافي من الحزن يأخذ وقتا ويختلف من شخص لآخر. كوني صبورة مع نفسك، ولا تتوقعي التعافي بسرعة.
تذكري أنه من الطبيعي أن تشعر صديقتك بالألم والحزن بعد فقدان والدها، وأن عملية الحزن والتعافي تختلف من شخص لآخر، ولكن دعمك وتفهمك لها يمكن أن يكون مصدر قوة وراحة بالنسبة لها.
وتذكري أنك مأجورة على مساعدة صديقتك.
يسر الله أمرك، وشفى الله صديقتك، ويسر أمرها.