كيف أصبر على وفاة أبي، وأرضى بقضاء الله وقدره؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والدي توفاه الله فجأة، وقبل وفاته بيوم لم يشتك أي هم أو وجع، وكنا نجلس ونضحك، وذهب والدي للنوم الساعة الواحدة صباحا ولم يستيقظ، وعندما أحضرنا الطبيب أخبرنا بأنه متوفى.

أنا غير قادر على تجاوز وفاته؛ لأنه كان قريبا جدا مني، فأنا الولد الوحيد له، وأشعر بالانهيار، ولست راضيا بقضاء الله وقدره، فكيف يمكنني تجاوز صدمتي؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يرحم والدك ووالدنا وأمواتنا وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

أرجو أن تعلم أن أمواتنا بحاجة إلى استغفارنا، وإلى الدعاء، ونسأل الله تعالى أن يعينك على الاستمرار في مسيرة البر، فإن بر الوالد أو بر الوالدة لا ينقطع بموتهما، وهذا من كرم الشريعة وجمالها، فقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هل ‌بقي ‌من ‌بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، يعني: الدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما، إلى غير ذلك من صنوف الطاعات كالحج والعمرة والصدقة، ونسأل الله أن يعينك على الوفاء.

وأرجو أن تحول حزنك على الوالد إلى دعاء له وأعمال صالحة، وتذكر أنك امتداد لعمله الصالح، فاجتهد في ما يرضي الله تبارك وتعالى، وأكثر له من الدعاء في سجودك وفي سائر أحوالك، قال عمرو بن عبد الله: (مات أبي فمكثت حولا لا أدعو إلا له)، وهذا من فقهه -رحمة الله عليه-؛ لأن الإنسان إذا دعا لوالده أو استغفر له، نال أجرا مضاعفا، نال أجل الطاعة وأجر البر، نسأل الله أن يعينك على الوفاء.

ومن أهم ما نحب أن ننبه له: أهمية الرضا بقضاء الله وقدره، تذكر أن الصبر في الصدمة الأولى، واستغفر، وتب إلى الله تبارك وتعالى من أي لون من الاعتراض يمكن أن يظهر منك، واعلم أن هذا الكون ملك لله ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فسبحان من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك ‌لم ‌تصب ‌بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحزنت، ثم ذهبت تبحث عنه لتعتذر، فأتت باب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم تجد عنده بوابين، فحاولت أن تعتذر، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

لذلك الإنسان ينبغي أن يتصبر، والأمر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، هكذا قال في وفاة ولده إبراهيم، ثم قال: وإنا ‌لفراقك ‌يا ‌إبراهيم لمحزونون، فالإنسان يؤجر على حزنه، ويؤجر على دمعة عينه، لكنه يساءل على اعتراضه على قضاء الله تبارك وتعالى وقدره.

ومما يخفف علينا مصيبة الموت أن نتذكر مصيبتنا في رسول الله -صلى الله علي وسلم-، فقد ورد في مصنف عبد الرزاق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر ‌مصيبته ‌بي فليعزه ذلك عن مصيبته، وفي رواية عند الدارمي: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر ‌مصيبته ‌بي، فإنها من أعظم المصائب.

فتب إلى الله تبارك وتعالى، وأكثر من الدعاء للوالد، ونسأل الله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين.

ومما يعينك على تجاوز هذه المسألة اليقين بأننا نمضي في هذا السبيل، فالله خلق الموت والحياة، فقال: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، هنا قدم الموت مع أن الموت متأخر؛ لأن الأمر كما قال علي: (ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت).

وإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة، وأن أي إنسان سيقضي في هذه الدنيا أيام، ثم يمضي وفق الأجل المحدد المعلوم عند ربنا علام الغيوب سبحانه وتعالى؛ فإنه سيشغل نفسه بما يوصله إلى الختام الحسن، فالمرء يبعث على ما مات عليه، والأهم من هذا والأخطر من هذا أنه يموت على ما عاش عليه.

فعش (ابني) مطيعا لله تبارك وتعالى، مكثرا من الدعاء لوالدك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق، ونسأله أن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يصبرك، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات