كيف نتصرف مع والدي الذي يبذر أموالنا في غير الضروريات؟

0 23

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أعزب في منتصف العشرينات، عائلتي مكونة من 7 إخوة وأمي وأبي، وأنا -الحمد لله- موظف بمرتب جيد، وأبي يلح علي ويطلب أن أعطيه المال منذ أن كنت مراهقا، وقمت بطلب قرض كبير عندما توظفت قبل سنتين وسددت أغلب ديون أبي، واشتريت له سيارة، وحلفته أن لا يقترض دينا جديدا ولا يثقل على نفسه الديون؛ حتى يتمتع براتبه التقاعدي، ولكنه طلب أكثر من دين، ولم يبق له مصروف نهائيا، ويعتمد علي أنا وأختي في مصروفه اليومي، وفي سداد فواتير الكهرباء والماء، وفي بعض احتياجات البيت.

أنا رجل أخاف الله، ولا أريد العقوق بأبي، ومنذ صغرنا ونحن ندفع لأبي دون فائدة، وكل فترة يقول فقط فترة بسيطة حتى أنتهي من القرض الفلاني أو الدين الفلاني، وعندما ينتهي منه يذهب ويأخذ قرضا آخر، رغم أنه لا يحتاج له، وبعد سداد أغلب وأكبر ديونه قام بطلب قروض وديون جديدة، وما زلنا ندور في نفس الدوامة منذ صغرنا.

بعض الأحيان أقوم بوضع مبالغ مالية بسيطة في جانب سريري عند النوم، وأستيقظ وأجد أبي أخذ المال بدون إذن مني، وعندما نعطيه المال في بعض الأحيان لتسديد أقساطه نفاجأ أنه لم يسدد القسط، وصرف الأموال على أمور ليست بأهمية القسط، فهل أنا مجبر على إعطاء أبي المال، أم يمكنني رفض إعطائه المال دون إثم علي؟ أفكر في رفض إعطائه كآخر الحلول لدي، حتى يمتنع عن أخذ ديون جديدة وإيقاعنا وإيقاع نفسه في مشاكل مالية كبيرة.

أنا مقبل على الزواج وأريد شراء منزل جديد -بإذن الله-، ولا أستطيع الاستمرار هكذا مع هذا الوضع، وأبي لا يتفهم ذلك، ويقول: أنت ومالك لأبيك، وأنا أنجبتكم لكي تساعدوني في كبري، فأقول: نعم نساعدك ولكن ليس بهذه الطريقة، بأن تأخذ قروضا وديونا دون علمنا وتصرفها في أمور ثانوية، والأمور الضرورية تتركها، ويمكنك الادخار لها، ثم لا تستطيع سداد هذه القروض الجديدة، أو لا يبقى معك مصروف، وتطلب منا وتجبرنا على مساعدتك ماليا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معاذ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نحب أن نبشرك -ولدنا الحبيب- أن كل ما تنفقه على والدك وتعينه به فإنه مدخر لك عند الله تعالى من جهة، ومن جهة أخرى فإن الله تعالى وعدك بأن يخلف عليك ما تنفقه، فقد قال الله سبحانه: {وما تنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}.

واعلم علما يقينيا أن طاعة الله تعالى والإحسان للوالدين من أعظم الأسباب في جلب الأرزاق، فإن تقوى الله تعالى سبب أكيد في جلب الرزق لهذا الإنسان، والإحسان إلى الوالد والبر به من أعظم خصال التقوى، وقد قال الله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

فاطمئن نفسا واهدأ بالا بأن ما تعطيه لوالدك هو في محله، ولكن هذا لا يعني الإسراف والتبذير، كما لا يعني أيضا تضييع مصالحك التي تحتاجها أنت كالزواج والمسكن، فالأمر يحتاج إلى نوع من الاعتدال، والحذر من أن يزين لك الشيطان عقوق الوالد وحرمانه من خيرك وفضلك بسبب بعض تصرفاته التي لا ترضاها أنت، كما أن هذا لا يعني تسليط الوالد على كل أموالك وتضييع مصالحك، ولا سيما الأمور الأكيدة كالزواج، فحاول أن تقارن بين الأمور وتسدد وتقارب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سددوا وقاربوا).

ولا نستطيع أن نعطيك حكما إجماليا بأن ترفض كل طلبات أبيك أو لا، ولكن هناك أمور يجب عليك أن تجيب والدك إليها، وتعطيه المال إذا طلبك لها، وهي النفقات على نفسه، وعلى زوجته، وكذلك ينبغي لك أن تسارع وتبادر إذا طلبك مالا لينفقه على من يحاول الإحسان إليهم، وهذا هو السبب الذي من أجله قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث الذي يحتج به أبوك، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنت ومالك لأبيك) فإن سببه أن رجلا جاء يشكو إلى النبي أن أباه يأخذ ماله، فلما جاء الأب أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه يأخذ المال ينفقه على نفسه وعلى قراباته وأرحامه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الكلمات.

وحاول أن ترضي والدك وإن لم تعطه المال في بعض الأحيان، واستعمل الأساليب التي تجنبك مصادمته وإظهار عصيانك له، بأن تخفي عنه بعض الأموال، وتحاول استعمال الكلمات الموهمة بأنه ليس عندك مال ونحو ذلك، وأنك صرفته في حاجات، وحاول أن تصرفه بالفعل في الحاجات التي تحتاجها قبل أن يعلم به أبوك، وبهذا تكون قد حققت مصالحك وأرضيت والدك.

وقد جاء بعض الناس يستفتي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في والده حين أمره بأن يطلق زوجته، فقال له أبو الدرداء -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: (لا آمرك ولا أنهاك، ولكني سمعت رسول الله يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه).

نسأل الله لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات