السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة في الثانوية العامة، وتبقى على اختباراتي شهر تقريبا، طوال السنة لم أذاكر وكنت في غفلة، وارتكبت الكثير من المعاصي والذنوب التي دمرت حياتي ونفسيتي، وقست قلبي.
ارتكبت الذنوب بدون خشية أو ندم، ولم أكن كذلك طوال حياتي، بل كنت متفوقة، وبدأت في الذنوب والكسل منذ سنتين.
لا أعرف كيف أتعامل مع أي مشكلة في حياتي، دائما أهرب، واليأس يسكن قلبي، ولا أعلم كيف أتحرك، وأصبحت خائفة من التوبة، لأني سأضطر لمواجهة مشاكلي التي أخاف منها، وخصوصا الدراسة، وأهلي الذين ظلمتهم بظلمي لنفسي، وتقصيري في حق الله!
كيف أسترد اليقين الذي فقدته وحسن الظن بالله وأتوب مجددا؟ هذه أول مرة أصل لهذه المرحلة، وقد تركت عباداتي مثل قيام الليل، وعلاقتي بالقرآن، كل شيء تدمر، وأعاني من الخوف من مشاكلي وأخشى من الفشل، فهل فعلا ما زال لدي الوقت الكافي، ليكرمني الله ويعينني، وأستطيع تحقيق أي نتائج في دراستي؟
أتمنى التوبة الصادقة، وأن يطهرني الله ويتوب علي من الذنوب، ويوفقني في حياتي، وهل يمكن أن يتغير حالي ويكرمني الله في دراستي، رغم كل الأخطاء وظلمي لنفسي؟
أنا تائهة جدا وخائفة من الضياع، لست قوية بما فيه الكفاية لفعل كل ذلك، فكيف أستعين بالله وأصبح قوية؟ وهل تتحسن الأمور بعد كل ما قمت به؟ وكيف أتعامل مع جلد الذات ولومي لها، وشعوري باليأس؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يتوب عليك، وأن يعفو عنك، وأن يغفر لك، إنه جواد كريم، وبعد:
فقد قرأنا رسالتك باهتمام بالغ، وأذهلنا على صغر سنك وحداثته أن تغرقي في المعاصي إلى الحد الذي وصفته، خاصة وأنت فتاة صالحة كان لك مع الله حال، كانت لك خلوات وقيام ليل وقراءة قرآن، عرفت معنى السعادة الحقة، والأمان الحق والاطمئنان الصادق، فلماذا تخليت عن أمانك؟ لماذا ابتعدت عن سعادتك الحقيقية إلى تلك السعادة المتوهمة؟ لكن لا زال في قلبك خير، ولا زلت قادرة على العودة، ولا زال الطريق مفتوحا أمامك، لذا دعينا نكتب الجواب في عناصر متتابعة:
أولا: نريد أن نتوقف عن هذه الجملة التي ذكرتها ونبدأ منها: (فهل فعلا ما زال لدي الوقت الكافي، ليكرمني الله ويعينني، وأستطيع تحقيق أي نتائج في دراستي؟ أتمنى التوبة الصادقة، وأن يطهرني الله ويتوب علي من الذنوب، ويوفقني في حياتي، وهل يمكن أن يتغير حالي ويكرمني الله في دراستي، رغم كل الأخطاء وظلمي لنفسي؟)
والجواب: ومن يحول بينك وبين الله؟ الله يحبك -يا ابنتي- ويريد لك الخير، ومتى ما أقبلت على الله أقبل الله عليك، فالله يقبل توبة التائب ويغفر ذنبه، المهم أن تقرعي باب الرحمن، وبابه مفتوح لك فلا تيأسي.
ثانيا: التوبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الندم)، وهي كما قال ابن القيم: (بداية العهد وخاتمته هي ترك الذنب مخافة الله عز وجل، وهي استجابة لأمر الله وطاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين ءامنوا توبوا الى الله توبة نصوحا}، وهي سبب فلاحك في الدنيا و الآخرة، قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}، وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا}، وهي الجالبة لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة، والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة الى قوتكم ولا تتولوا مجرمين}.
وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها إلى حسنات، قال سبحانه: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}، فالله الله في نفسك ودينك وأهلك، أعلنيها الآن توبة صادقة خالصة لله عز وجل، واعلمي أن الله سيفرح لتوبتك، نعم -يا ابنتي- الله سيفرح لتوبتك، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) [متفق عليه].
وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، وهذا يثبت لك سعة رحمة الله، فأملي في الله الخير.
ثالثا: اعلمي أن الله عند حسن ظن عبده به، وقد سترك الله وأنت في المعاصي فهل سيفضحك وأنت تائبة مقبلة عليه؟ ثقي في عطاء الله، وكوني على يقين بأن الله سيختار لك الخير ويرشدك إليه، ولا تلتفتي لاستدراج الشيطان لك، بدعوى أنك متى ما تبت فستواجهين المشاكل؛ هذه دعوى كاذبة، ومغرضة، ومفسدة لك، فمن قال إن المعاصي ستحل المشاكل؟ ومن قال لك إن الاختباء في الرمل سيجنبك المخاطر؟ إننا نقول لك: أمامك مشاكل تحتاج إلى حلول، فاذهبي إليها ومعك توبة صادقة تستجلبين بها معية الله، فإذا حضرت معيته معك فلا يضرك مخلوق قط، فمن كان مع الله فمن عليه؟
رابعا: التوبة تحتاج إلى تخلية وتحلية، تخلية من المعاصي وتحلية بالطاعات، لذا ننصحك بما يلي:
1- زيادة التدين عن طريق الصلاة: (الفرائض والنوافل)، والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلمي أن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال الله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعا أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأداها كما أمره الله أعانه الله على شهوته .
2- اجتهدي في الإكثار من الصيام فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
3- ابتعدي عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم أن لا تسلمي نفسك للفراغ مطلقا، وأن تتجنبي البقاء وحدك فترات طويلة.
4- ابتعدي عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلمي أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام، أو الكلامية، أو أيا من تلك لا تطفئ الشهوة بل تزيدها سعارا.
5- ننصحك باختيار بعض الصديقات الصالحات بعناية تامة، فإن المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، اجتهدي في التعرف عليهن، وتعاهدي معهن على الطاعة.
6- ابدئي الدراسة وفورا، وقسمي تلك المواد بطريقة الأصعب والأسهل المتتالي، وهذه طريقة جيدة، وخلاصتها أن تقسمي المواد إلى قسمين:
- مواد صعبة تحتاج إلى مذاكرة أكثر.
-مواد سهلة أو يسيرة تحتاج إلى جهد أقل.
ثم بعد ذلك ابدئي أول ساعة بالمادة السهلة، يعقبها المادة الصعبة، ثم إذا تعبت فعودي إلى الأولى، ثم إذا نشطت ذاكرتك ارجعي للصعبة، وهكذا دواليك.
7- عند دراستك ضعي على كل صفحة تقرئينها كل الأسئلة المحتملة، اجعلي ذلك في ورقة منفصلة عنك، ثم بعد الانتهاء من المادة أجيبي عن تلك الأسئلة، ثم قارنيها بالجواب الصحيح، ساعتها تثبت المعلومات أكثر، وكذلك تعرفين نقاط الضعف عندك.
بهذا تتقدمين كل يوم خطوة للنجاح، وخطوة للتدين، وخطوة لإرضاء الله عليك، وهذا هو الطريق الصحيح، فابدئي واستعيني بالله عز وجل، ثم عليك بكثرة الدعاء لله أن يصرف عنك الشر وأهله، وأن يقوي إيمانك وأن يحفظك ويحفظ أهلك من كل مكروه، وثقي أن الله سيعينك، ونحن نسأل الله أن يثبت إيمانك وأن يقوي يقينك وأن يوفقك في دراستك، والله المستعان.