السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمري 34 عاما، وأنا أصغر إخوتي، أود معرفة حكم عدم التودد لأبي، لا أكن له مشاعر حب منذ صغري، ولا أقول: إني أكرهه، ويعلم الله أني بجواره في كل كبيرة وصغيرة؛ لأني الوحيد الساكن معه، ولكني أبتعد عن الحديث معه لأسباب يطول شرحها، ومن ضمنها أني في أي مرة أتحدث معه يحدث نزاع، ولا يود أن يفهمني!
كنت أقول له: موطئ قدمك على رأسي، فقط افهمني بلا نزاع ولا صوت عال، ولكن بدون جدوي، وفي الأخير توفيت والدتي ليلة التروية عن عمر 64 عاما -رحمها الله-، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة. لقد ذهبت وأخذت قلبي معها، كانت حبيبتي وأمي، ووالدي كان دائم التجريح لها، وعدم الاهتمام بها صحيا، إلا حين تصل لحد التعب الكلي فيبدأ بالتحرك، ولكن بمعايرة وتجريح.
كنت أحاول أن أعالج أمي أنا وأخي الأكبر بدون علمه؛ حتى لا نجرحه، ولكن كانت هناك تدخلات منه بمنع ذلك، وأنه سيقوم بالمطلوب، وبعدها لا يفعل، ولا ينفذ حتى كلام الأطباء، ويكون هذا التصرف هو الصحيح من وجهة نظره فقط، وأن الأطباء لا يفقهون شيئا.
علما بأن الغضب كان ممنوعا بسبب تعبها، وهو كان دائم المعايرة والتجريح، وبعد وفاتها بدأ يشعر بقيمتها، وينادي عليها أوقاتا، ويبكي ولكن بدون دموع، لا أرى دموعا تنزل.
أعلم أنه يحبها ولكن ما معني ذلك؟ فأنا الآن لا أشعر حتى بقدرتي على التحدث معه في أي شيء، وأود الرحيل بعيدا، وأدعو الله أن لا يعاقبني، وأسأله أن يسامحني.
علما بأن عمره 70 عاما، وقد حاولت كثيرا أن أتأقلم وأتغير، ولكن أحس أني أكذب على نفسي، حتى عند التحدث معه ولو قليلا تجنبا للمشاكل.
كنت أحاول كثيرا التحدث معه في أي شيء، وكان دائم الخلاف معي، والسب والشتم في أوقات، وكنت أتأسف له، حتى لو لم أكن مخطئا، ولكنه والدي، فهل سيعاقبني الله بسبب ذلك؟
شكرا لكم كثيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خليل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يرحم والدتك رحمة واسعة، وأن يسكنها فسيح جناته، وأرجو أن يعينكم الله تبارك وتعالى على بر الوالد، والصبر عليه، وهو في سن لا بد فيها من الصبر والاحتمال لما يحصل منه، وتقدير الظروف وصعوبات الحياة التي مرت به.
سعدنا أنك لا تعلن هذه المشاعر السالبة، وينبغي أن تتودد له، وتظهر له مشاعر الأدب والاحترام والصبر عليه، ولا شك أنك تعرف الأمور التي ترضيه، والأشياء التي يقبل بها، والأشياء التي يحبها، وهذا الذي ينبغي أن تحرص عليه.
نحن نقدر صعوبة التعامل مع الوضع المذكور وفي هذه السن، ومع أب بهذه الصفات التي أشرت إليها، لكنه يظل أبا، وله من الحقوق ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، بل ينبغي أن تحسن إليه، حتى لو دعاك إلى معصية الله، فلا تطعه، ولكن صاحبه في الدنيا معروفا، قال العظيم: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم) قال العظيم: (فلا تطعهما) فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن -والحالة هذه- قال: (وصاحبهما في الدنيا معروفا).
حق الوالدين لا يسقط حتى وإن كانوا غير مسلمين، فكيف إذا كان الوالد مسلما، يسجد لله، يصلي لله، يؤمن بالله تبارك وتعالى، يجب أن نؤدي هذا الحق، وعليك أن تتحرى اللطف في الكلام معه، امتثالا للخليل إبراهيم -عليه السلام-، حين يخاطب أباه فيقول: (يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ... يا أبت ...)، فكما فعل مع والده الذي كان لا أقول: عابدا للأصنام، بل كان سادنا وقائدا لعباد الأصنام، ومع ذلك إبراهيم أحسن الأدب معه، وتلطف معه، بل حتى لما قال له: (لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) قال في أدب -ومن الأنبياء نتعلم-: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا).
لذلك الفقهاء تكلموا: حتى من يريد أن ينصح والديه لا بد أن يكون في منتهى اللطف، ومنتهى الشفقة، ومنتهى الأدب، ونسأل الله أن يعينك على بر الوالد، وأن يعينك على الإكثار من الدعاء للوالدة، فإن برها لا ينتهي بموتها.
ونسأل الله أن يرزقكم بر والديكم أحياء وأمواتا، وأن يعيننا وإياكم على الخير.