السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابني في أواخر العشرينات من عمره، متدين -والحمد لله-، ويصلي ويصوم الفرائض، والسنن، ولكنه سيء جدا مع والده، ويكلمه كلاما قاسيا، وجارحا، ويظن به ظن السوء دائما، مع أن والده لم يقصر معه أبدا بأي شيء لا ماديا، ولا تربويا، ولا دينيا.
مع العلم أن الشاب إلى الآن يعتمد على أبيه بالمصروف، ومع ذلك أبوه يتحمل كثيرا، لا أعرف أين المشكلة، ولماذا لا يحب والده بعكس جميع إخوته؟
والمشكلة الأخرى أنه صار على خلاف كبير مع إخوته بسبب تصرفاته مع والده، فهم لم يعودوا يتحملون إهاناته المتكررة لوالدهم، وحاولت كثيرا التكلم معه وإرشاده، لكن عنده فكرة خاطئة تماما عن والده، ولا يريد تغييرها.
أرجو منكم إرشادي إلى الحل، وكيف يمكن التغيير؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم سلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
في الحقيقة، إذا كان الوصف كما ذكرت، فلا يمكن أن يجتمع التدين وكبيرة العقوق في قلب مسلم، فالتدين والاستقامة تعني الوقوف عند حدود الله تعالى واجتناب نواهيه، ومن أعظم الكبائر عقوق الوالدين، وهو حق قرنه الله بحقه في كتابه العزيز، وعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة، وفيه محق للخير والبركة، فإذا كان الله تعالى قد أمر بطاعة الوالدين بالمعروف وهما على ملة الكفر والإعراض عن دين الله؛ فكيف بالوالد المسلم الذي يحسن وينفق ويؤدي الحق على أكمل وجه؟! ومهما كان فعل الأب، فلا يقابل بالإساءة أو الجحود، بل يحرص على صحبته بالمعروف قدر المستطاع، والنصوص الشرعية كثيرة في ذلك.
وفي سبيل إصلاح هذا الشاب العاق، ننصحك بأمور نسأل الله أن ينفعك بها:
أولا: الحوار المفتوح والهادئ، حاولي التحدث مع ابنك في بيئة هادئة بعيدا عن التوتر أو الانفعال، اسأليه عن السبب وراء مشاعره تجاه والده، واستمعي له جيدا دون مقاطعة، قد يكون لديه مشاعر أو تجارب لم يتم التعبير عنها من قبل، أو سوء ظن ، أو وشاية من الآخرين، فإن تحدث عن موقف أو أسباب، يتم مناقشتها ومعالجتها بما يناسبها.
ثانيا: التوسط بين الأب والابن، من المفيد جدا أن يتوسط رجل من أصحاب الفضل والمكانة، كإمام المسجد الذي يصلي فيه هذا العاق، أو شخص يحترمه ويقدره، ليحدثه عن إثم العقوق ويذكره بالله تعالى، ويبين له أثر الأعمال الصالحة على سلوك وأخلاق المسلم، وأن العقوق قد يفسد عليه دنياه وآخرته، ولا تنفعه أعماله الصالحة مع الإصرار على هذه الكبيرة.
ثالثا: تعزيز الروابط الأسرية ، حاولي تعزيز الروابط بين الأب والابن من خلال أنشطة مشتركة، سواء كانت ترفيهية أو دينية، لبناء جسر من التفاهم والمحبة، يمكن تنظيم رحلات مشتركة أو جلسات اجتماعية تخلو من التوتر، لفتح الحوار بهدوء وإزالة ما في القلوب.
رابعا: الصبر والدعاء، تذكري أن التغيير قد يستغرق وقتا، فكوني صبورة، وادعي الله أن يلين قلوب أفراد أسرتك ويعيد بينهم المودة، فدعاء الوالدين يرجى استجابته، جاء في الحديث "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر" رواه أحمد وأبو داود .
أخيرا، إن لم تصلح كل تلك المحاولات من حال هذا الشاب، فيمكن الالتجاء إلى العقوبة والهجر الاجتماعي كرادع أخير، وهي نوع من المقاطعة التربوية من الأسرة والأقربين، وكل من يحيط بهذا الشاب، كتعبير عن رفضهم لهذا العقوق ونكران المعروف، مع التأكيد على استمرار النصيحة وبيان سبب المقاطعة ومحاولة الإصلاح، وأن تكون كعلاج يهدف لإصلاح هذا الشاب دون أن تزيد من المشكلة، فإن لم ينفع الهجر، فلا يتم الاستمرار فيه، فهو مقيد بالمصلحة.
نسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك عليه.