السؤال
السلام عليكم
أحب موقعكم كثيرا، أرجوكم وجهوني، فقد تعبت.
أنا فتاة عمري 27 سنة، أرى الدنيا سوادا في سواد، وأشعر بالملل من كل شيء، كلما أضع يدي في شيء لا ينجح، وأقدم على وظائف وأباشر العمل ثم أفصل، وليس بسبب قلة كفاءة، بل بلا سبب واضح، فقد قدمت على وظيفة واتفقنا على كل شيء، وحددنا موعد بدء الدوام، لكن قبل الموعد بأيام توفي صاحب العمل وألغي عملي.
كنت متفوقة في الدراسة، وأطور نفسي باستمرار، لكن لا أجني أية نتيجة، كل من يتقدم لخطبتي يرفضني، حتى قبل أن يراني، ويأخذون موعدا على الهاتف، وقبل الموعد بساعات يلغون الموعد ولا يأتون.
هل أنا كبرت؟ حقا أشعر بالضياع ولا أعلم ماذا أفعل، توقفت عن السعي في كل شيء بسبب فشل كل محاولاتي، لدي أفكار سيئة عن القدر، وأرى نفسي منافقة ولم أعد مؤمنة كما كنت، وأصبحت أعترض على القدر، وأسأل: لماذا يحدث كل هذا لي أنا؟
أختي أصغر مني بثلاث سنوات وموفقة في حياتها، علما أني -والحمد لله- ملتزمة بلباس يرضي الله، وأقضي وقتي في التسبيح والقرآن والعبادة والصدقة، أجبر خواطر أقاربي، وأساعدهم قدر استطاعتي، وأصاحب أمي دوما حتى لا تشعر بالملل، لكن أمي تعبت بسببي، جلبت لها الهم بسبب تعثري، وبسبب نفسيتي الكئيبة، صرت ذابلة، واختفت ضحكتي، لا أرى شيئا جميلا للعيش.
كل من حولي وفق في شيء، إما في العمل، أو الزواج، أو كليهما، لكني لم أوفق في شيء.
سمعت أحدا يقول إن الإنسان قد يعيش كل عمره غير موفق، ولن تتحقق أمنيته؛ لأن الدنيا ابتلاء، فزاد ضيق صدري، وزاد تشاؤمي بهذا الكلام.
هل سأبقى أعاني طوال حياتي؟ لي سنوات وأنا أعيش نفس المشاكل والضيق، عمري يجري بلا إنجاز يذكر، أتحسر عندما أرى من حولي يتقدمون في شيء وأنا ثابتة في مكاني، لا أقدر على الصبر، تعبت من الصبر، ولا يأتي الفرج.
أصبحت ساخطة وقل إيماني، وأشعر أني خسرت كل شيء: إيماني، الدنيا، راحة البال، وكل شيء.
أبحث عن عمل لأخرج من الفراغ الذي يوقعني في المعاصي، وأريد الزواج، وحاجتي العاطفية والجسدية كيف أشبعها؟! أصبحت أفكر أحيانا في سلوك طرق الحرام، وأرى أن الفتيات اللواتي يفعلن الحرام يتوفقن في حياتهن، وأنا التي عففت نفسي لم أوفق في شيء، حتى في العمل.
أدعو الله كثيرا، لكن الأمور تشتد أكثر، فأدعو بلا أمل بالإجابة.
خسرت كل شيء، إيماني أولا، أختي مثلا موفقة وتعمل، وأخشى أن تتزوج قبلي! ليس سهلا علي أن أرى أختي تأخذ كل شيء تمنيته بكل راحة وبرود، وأنا أعاني سنوات ولا زلت.
أشعر أني أصبحت سيئة ومنافقة، والله غاضب مني، صحيح؟ هذا الابتلاء جعلني أخسر ديني ولم يزده، وجعلني منافقة.
الآن أنا خاسرة، صحيح؟ هل الله لا يحبني؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائلة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
بداية: نسأل الله أن يزيل همك، ويكشف كربك، ويرزقك الخير من حيث لا تحتسبين.
أختي الفاضلة: لماذا كل هذا التشاؤم، واليأس، وسوء الظن بالله تعالى وفضله ورحمته؟! لا يمكنك حل مشكلتك بهذا التفكير السلبي والنظرة السوداوية؛ بل أنت بذلك تزيدين من تعقيدها وصعوبة تجاوزها، يجب أن تدركي أنك طرف رئيسي في حل أي مشكلة تواجهك، ولكي تفكري بطريقة صحيحة، لا بد من التوقف عن هذا الانفعال النفسي والخروج من دائرة القلق التي أحطت بها نفسك، فقط حينها ستتمكنين من رؤية موضع الخلل والمشكلة، البقاء في هذا الواقع المعقد يفقدك القدرة على التفكير السليم، وبالتالي يعوق الوصول إلى الحلول.
هذه الحالة من الضعف واليأس يستغلها الشيطان ليقودك إلى القنوط من رحمة الله – والعياذ بالله –، يوجهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواجهة الشدائد بقوله (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن 'لو' تفتح عمل الشيطان).
أختي الفاضلة: هناك الكثير من المفاهيم التي تحتاج منك إلى وعي وإدراك، حتى تتعرفي كيفية التعامل مع واقع الأزمات، لذلك أقدم لك بعض النصائح، وأسأل الله أن يوفقك للعمل بها وتطبيقها، ففيها الخير بإذن الله تعالى:
أولا: توسيع مفهوم النجاح والتوفيق: أختي: لماذا حصرت النجاح والتوفيق في مجرد الحصول على وظيفة، أو الزواج؟ لا ننكر أهمية هذه الأشياء، ولكنها ليست معيارا للسعادة أبدا، قد ترزقين بوظيفة، وتجدين نفسك غير سعيدة، أو قد تتزوجين وتعيشين في حياة مليئة بالقلق وعدم الاستقرار.
التفكير المستمر في الوظيفة والزواج جعلك تنسين الكثير من النعم الأخرى التي وهبها الله لك، انظري إلى من هم أقل منك؛ من لا يجدون لقمة العيش، أو يعانون من المرض؛ لتشعري بنعم الله عليك، وترددي دائما "الحمد لله".
تذكري أن الله يعلم ما هو خير لك، وقد يؤخر عنك الوظيفة أو الزواج لحكمة يعلمها هو، فربما يكون ذلك سببا في حمايتك من مزيد من الحزن أو القلق، فنظرنتا نحن البشر قاصرة وعلمنا قليل، لذلك بلطف الله يعاملنا بسعة علمه وإحاطته، ولكن بجهلنا نظن أن الله لم يستجب لنا رغم أنه يختار لنا الخير حسب علمه سبحانه قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
ثانيا: التفكير في النتائج، في رحلة الإنسان لتحقيق أهدافه قد يتأخر الوصول، وقد لا يصل، وهذا الأمر طبيعي، ولكن في سعيه تمتلئ حياته بالخبرات واكتساب الكثير من المعارف والتجارب فتصقل مهاراته وتكسبه الكثير، فالسعي لتحقيق الهدف ليس غايه بذاته، وكما قيل " نافس للوصول إلى القمر فإن تعثرت ستجد نفسك بين النجوم".
وأنت في سعيك لوظيفة لا شك أنك اكتسبت الكثير من المعارف والخبرات، وكل هذه الأمور جعلتك في ارتقاء دائم، فإن تجاهلت كل ذلك، ونظرت فقط لهدفك النهائي، سيصبح سعيك مجرد تعب وإرهاق، إذا لم تصلي للنتيجة النهائية، ولن تفكري بمتعة السير إلى تحقيق الأهداف، وكل عقبة تقف أمامك ستوقفك، وتحزنك، وتجعلك في تراجع؛ لذلك لا تفكري فقط في النتيجة، ففي طريق السعي قد تحققين أكثر مما تريدين.
ثالثا: الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة، التركيز على الأهداف الكبيرة فقط قد يجعلك تشعرين بالإحباط عندما يتأخر تحقيقها، بينما الإنجازات الصغيرة المستمرة تمنحك شعورا بالتقدم والتفوق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، لذلك احرصي على تحقيق أهداف صغيرة وسريعة، مثل: حفظ جزء من القرآن، أو تعلم مهارة جديدة؛ فذلك يمنحك شعورا بالرضا والعطاء، وأن لحياتك قيمة ومعنى.
رابعا: تجنب المقارنة مع الآخرين: الله سبحانه وتعالى خلق كل إنسان بميزات تختلف عن غيره، فلا تجعلي نفسك ضحية لمقارنات لا معنى لها، فالنجاح لا يقاس بالمظاهر، التعرض المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي والأفلام والمسلسلات، قد يسبب إحساسا زائفا بالنقص من خلال معايير سطحية، لذلك تجنبي هذه المقارنات السلبية، وركزي على اكتشاف مواهبك وتطويرها، فالله ميزك بالكثير عن غيرك، وما عليك إلا استثمار هذه الميزات وتنميتها.
خامسا: الصبر في صعود سلم النجاح، كل منا لديه أهداف وطموحات، لكن قليلا من الناس يسير بخطوات متدرجة ومنتظمة، الاستعجال قد يدفع البعض إلى القفز نحو النتيجة دون المرور بالخطوات اللازمة لتحقيق النجاح، يجب أن تسألي نفسك مثلا: هل حققت جميع المعايير المطلوبة للوظيفة؟ هل مؤهلاتك تحتاج إلى تطوير؟ هل اجتهدت في تحقيق كل وسائل الحصول على وظيفة، فكل هذا من التخطيط والأسباب التي أمرنا بها.
تذكري أن الله برحمته قد يؤخر بعض الأمور؛ لأنك غير مستعدة لتحقيقها الآن، وليمنحك الاستفادة القصوى منها، ويبعدك عن الشر في المستقبل، قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، أيضا -أختي- توسيع العلاقات الاجتماعية، حاولي توسيع دائرتك الاجتماعية من خلال الاختلاط بالنساء الصالحات، قد يفتح ذلك لك فرصا جديدة، سواء في العمل، أو الزواج، النجاح لا يأتي فقط من العمل الجاد، بل أيضا من العلاقات الطيبة، والمشاركة الفعالة في المجتمع، والنجاحات الجانبية في العلاقات.
أخيرا -أختي الفاضلة-: تذكري دائما أن الله جعل سننا للتغيير، وجعل أساس التغيير هو ذات الإنسان، فقال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لا تنتظري فقط التغيير من الخارج، اجتهدي واتعبي على نفسك أولا، ثم أثناء ذلك اجعلي صلتك بالله قوية، فهي المعين على الاستمرار، وتحقيق الإنجازات، ثم أثناء ذلك ضعي الخطط، ونفذي كل خطواتك بواقعية بعيدا عن المقارنات.
اختلي بنفسك، وضعي جبهتك على الأرض، وادعي بحرقة وبكاء بينك وبين الله، واسأليه التوفيق والرشاد في معرفة طريق الخير والهداية والاستقامة، فإن وصلت إلى ما تريدين، فالحمد لله، وإن لم تصلي اطمأن قلبك لما اختاره الله لك، ولم تلتفتي إلى أحد، أو تقارني نفسك بأحد، فأنت مع الله دائما.
أسأل الله أن ييسر أمرك، ويوفقك للخير، ويهديك سواء السبيل.