أظهر أمام الناس قويةً مع إنني أتقطع ألمًا لوفاة والدي.. أرشدوني

0 2

السؤال

السلام عليكم

أكتب لكم هذه الكلمات، ولا أعلم بالضبط ما أريده، ولكني أشعر بحالة من الضياع، ولا أفهم ما يحدث معي.

توفي والدي، وغدا يكمل الشهر الأول على وفاته، وحتى اليوم أشعر أنني لا أصدق ما حدث، أظهر للناس بأفضل صورة دون دموع، وأخفي دموعي أمام أمي حتى لا تتألم؛ لأنني أعلم كم كانت متعلقة بوالدي، وكم تتألم لفراقه.

أكتب لكم الآن ودموعي تتلألأ في عيني، ولكني مستغربة من القوة التي أظهرها أمام أمي والعالم، لا أستطيع البكاء أمام أي أحد، وحتى إن بكيت، تكون دموعي قليلة، أحب أن أعيش حزني وحدي ولا أعلم إذا كان هذا طبيعيا! في أيام العزاء، لم تتساقط دموعي أمام أحد، ولم أتظاهر بأنني قوية، بل أنا أتألم داخليا يوميا.

أفكر كثيرا في والدي، هل هو راض عني؟ ماذا يفعل الآن؟ عندما أدخل حجرته، أشعر بضيق في قلبي وشعور لا أستطيع وصفه، ولم أشعر به من قبل، أشعر بالخوف من الأيام القادمة من دونه، خاصة أنني كنت أمزح معه كثيرا، كان آخر أيامه في المستشفى لمدة شهرين تقريبا، وعندما عدنا إلى المنزل بدونه، كان الألم شديدا.

الحمد لله الذي خفف عنا مصابه، لكن الألم ما زال داخليا، وأستغرب من نفسي؛ فأنا إنسانة حساسة جدا، ولكن في هذا الموقف، لم أتمكن من الظهور إلا بكامل قوتي، وأفرغ حزني بيني وبين نفسي، لا أستطيع مشاركة مشاعري مع أحد، حتى أتمكن من تخفيف ألمي، ومن الصعب جدا أن أشارك أمي حتى لا أزيد من حزنها.

أشعر أنني في حالة من التوهان، وألوم نفسي وأتساءل: هل أنا لم أتأثر بالشكل الكافي؟ هل قلبي متحجر وقاس؟ حتى في أحلامي، رأيت والدي في المستشفى، وكأنني أريد أن أوقظه، وخرجت من العناية أبكي دون صوت، وكأن حبالي الصوتية انقطعت.

لا أعلم ماذا يحدث لي، ولا ماذا أريد، ولكن أحتاج مساعدتكم لتفسير مشاعري، وفهم ما أمر به.

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليليان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ورحم الله والدك وأمواتنا وأموات المسلمين برحمته الواسعة، ونسأل الله أن يعينك على بر الوالدة، ونبشرك بأن البر بالوالد لم ينقطع، فأكثري له من الدعاء، واعلمي أنك امتداد لعمله الصالح، فإن (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)، فالصدقة ممكنة منك له، والدعاء أيضا منك له حاصل.

فاستقيمي على هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، واجتهدي دائما في أن تكوني إلى جوار الوالدة، وإلى جوار إخوانك، فإن الشيطان ينفرد بالإنسان في وحدته، وإذا جاءك تفكير بما يذكرك بالوالد وبكيت فلا إشكال في هذا؛ لأن هذا تخفيف لتلك الشحنات، وما حصل منك من مواقف وصمود وصبر؛ هذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، وبعد ذلك إذا خانتك الدموع في أي وقت فلا إشكال في ذلك، ما لم يصاحبها اعتراض على قدر الله تبارك وتعالى، أو صياح، أو ما تفعله بعض الجاهلات من النياحة والتسخط.

ولا شك أن موت الوالد صعب على الإنسان، ولكن هكذا الدنيا نمضي جميعا في هذا السبيل، فهم السابقون ونحن اللاحقون، ولذلك لا تقفي أمام هذا الأمر طويلا، وكلما ذكرك الشيطان بالوالد ليحزنك تذكري الاستغفار له والدعاء له، وفعل الأعمال الصالحة التي في ميزانك وميزان حسناته عند الله تبارك وتعالى.

واستمري في إكرام الوالدة والوفاء لها، وشجعيها أيضا، وأن تشجعك أيضا على الصبر، وقلبك ليس متحجرا، ولا إشكال في هذا؛ لأن هذا هو المطلوب من الناحية الشرعية، وما حصل هذا يشبه أضغاث أحلام -ونحن لا نعبر الأحلام-، ولكن الأمر الذي تهتمين فيه في يومك أو حياتك قد يأتي في الأحلام، مثل هذا الحلم الذي يتكرر فيه ما أهمك في نهارك أو حياتك، وهذا ما يسمى بحديث النفس.

وعلى كل حال: أنت في اليقظة فقدت الوالد؛ فلن يضرك ما تشاهدينه بعد ذلك في النوم، والوالد في كل الأحوال بحاجة إلى دعائك ودعاء الوالدة، ونسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، ونحن علينا أن ندرك أن هذه الدنيا يفارق فيها الأحباب أحبابهم، وكلنا يمضي في هذا السبيل، فنسأل الله أن يرحمنا، ويرحم أمواتنا وأموات المسلمين، وأن يحسن ختامنا، وأن يحسن خلاصنا.

فعلى كل حال: نحن لا نريد أن تقفي أمام هذا الأمر كثيرا، كوني مع الوالدة، وكوني مع الصديقات، وكوني مع كتاب الله تبارك وتعالى، وأكثري من ذكر الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الإنسان ينسى، ولولا ذلك لتراكمت الأحزان علينا في فقد الذين فقدناهم من أحبابنا وآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا، ولكن الإنسان ينسى.

ومما يعينك على نسيان هذا الحزن اشتغالك بالعبادة، والطاعة والأعمال النافعة، والقرب من الوالدة، وأيضا مما يعينك على الصبر تذكر موت النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندها يستصغر الإنسان أي مصيبة يصاب بها، ففي الحديث فقد قال -صلى الله عليه وسلم: (أيما أحد من الناس أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي، عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي).

نسأل الله أن يعينكم على الخير، وأن يرحم أمواتنا وأموات المسلمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات