السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحب أبي كثيرا، وأدعو له بالخير مهما فعل، ولكنه يفعل أشياء تزعجني، كإهانة أمي وسبها أمامنا، ويتباهى بقوته وسلطته علينا، وقدرته على فعل ما يشاء بنا، من: ضرب وإهانة وسباب، ويمكنه طردنا من المنزل وغيره، تحملت كل هذا لأجل الله سبحانه وتعالى.
من عاداته أيضا إهانة أهل أمي كثيرا، وينتقدهم مرارا وتكرارا، ويزرع بداخلنا كرههم، ويقطع صلتنا بهم، وهو من الأساس يمنعنا من زيارتهم والتحدث معهم، وكل ذلك وهم لم يفعلوا له أي شيء إطلاقا، بل يريدون رضاه بشتى الطرق.
ذات مرة حدث شجار بيني وبينه؛ لأنه يهين جدتي دائما، ودفعها للبكاء بين يديه، لم أرفع صوتي عليه، فقط قلت له: حرام أن تهينها، وأن تتحدث عنها هكذا وهي امرأة عجوز، وكما أنك لا تحب إهانة أهلك فأمي كذلك، فلم يتقبل نصيحتي، وقال: أنا والدكم ومن حقي فعل أي شيء، ونحن علينا السمع والطاعة، ولا يحق لنا الاعتراض أبدا، بل علينا دعمه والقول إنه على صواب.
قاطعني والدي بعد ذلك وأصبح لا يتحدث معي أبدا، رغم محاولاتي لمحاورته أكثر من مرة، ولكنه يشترط لمصالحتي الاعتذار والاعتراف بأني مخطئة، وأنه على صواب، وكلامه حق، ولكني لا أستطيع فعل هذا، فمن واجبي كمسلمة أن أرد غيبة الآخرين، وليس له الحق في سباب جدتي.
علما أني أتعامل معه بلين، وأحضر له الطعام دائما، وأضعه له عندما يعود من عمله، وأدعو له، ولكن هل أنا آثمة لأني لم أعتذر له، فهو قاطعني ولا يريد التحدث معي أبدا منذ شهر، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يمن على والدك بالهداية، وأن يرده إلى الحق ردا جميلا، وأن يأجر أمك ومن يتلقى منه الإساءة.
وننصحك بأن تكوني سندا وعونا لأمك، وتذكيرها بفضل الصبر والاحتساب، وتذكيرها أيضا بمحاسن والدك وفضائله؛ فإن هذا يخفف عنها ما تجده من ألم من إساءته إليها، وبذلك تكونين قد قمت بشيء من البر بأمك، وكذلك مع جدتك.
أما والدك فإنه وإن فعل أشياء محرمة؛ فإن واجبك أنت البر والحذر من العقوق، ومن العقوق إغضاب الوالد، ولذلك يقرر العلماء أنه إذا فعل الوالد منكرا من المنكرات، فالولد -ذكرا كان أو أنثى- ينبغي له أن ينصح والده باللين والأدب، بحيث لا يغضبه، فإذا غضب وجب على الولد أن يسكت، وأن يترك النهي عن المنكر.
هذا الحكم يقرره العلماء في بيان حدود عقوق الوالد وبره، ولهذا فأنت مأمورة بأن تتجنبي إغضاب والدك، وإذا أردت أن تنصحي له، وأن تذكريه بالله تعالى وبعاقبة الظلم، فتحيني وترقبي أوقات هدوئه، وصفاء نفسه، لتذكريه بهذه المعاني، ومع ذلك إذا غضب فالواجب عليك أن تسكتي، ولا تجادليه، ولا تتعدي هذا الحد وإن كنت تظنين بأنه من إنكار المنكر، لكن إنكار المنكر على الوالد له أحكام خاصة، فالوالد ليس كغيره من الناس، وإنما نؤكد على هذا لأننا قرأنا في استشارتك قولك: (فمن واجبي كمسلمة أن أرد غيبة الآخرين)، والأمر كذلك لو كان الذي يفعل هذا المنكر غير أبيك وأمك، أما أبوك أو أمك فإنك تسلكين معهم هذا المسلك الذي بيناه، أن تنصحي لهم باللطف واللين، فإذا رأيت أنهم سيغضبون تركت ذلك الإنكار، فهذا هو القدر الذي يريده الله تعالى منك في هذه الحالة.
وننصحك بأن تبادري بالاعتذار إلى والدك ما دام لا يتضمن ذلك معصية لله تعالى، فإن طاعة الوالد في غير معصية الله تعالى واجبة، حيث لم يتضرر الولد، فلا يجوز لك أن تهجري الكلام مع والدك، وأن تقاطعيه، وإن قاطعك هو، فالواجب عليك أن تبتدئي أنت بالكلام، وأن تحاولي استمالة قلبه بالكلام اللين، وأنت تقرئين في القرآن الكريم خطاب إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لوالده الكافر، فإبراهيم يدعوه إلى الجنة وأبوه يهدده بالقتل، في حوار طويل تقرئينه في سورة مريم، فيقول الوالد: {قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك} أي لأقتلنك، ويأمره بأن يهجره وأن لا يتكلم معه، فيقول: {واهجرني مليا}، فيقول له إبراهيم: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا}، وقبل هذا الموقف، كان يقوله: {يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا}، {يا أبت لا تعبد الشيطان ...}، فيتودد إليه ويتحبب إليه بقوله: {يا أبت ... يا أبت ...}.
فهذا نموذج من النماذج التي يقصها الله تعالى علينا ليعلمنا بها كيف نتأدب مع الآباء والأمهات، وكيف نتعامل معهم عندما يقعون في معاصي أو منكرات.
فاستعيني بالله سبحانه وتعالى، وتذللي لوالدك، واعتذري له، اعتذري له مما عملته أنت وأنك أخطأت، ودعي الكلام الباقي، فلا تذكريه بخير أو شر، ولا بإصابة وبغيرها، ويسعك ذلك، واستعيني بالله تعالى على ذلك، وسيعينك، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.