السؤال
السلام عليكم
بدأت علاقتي بأبي في الانهيار في الآونة الأخيرة بسبب كثرة المشاكل؛ وذلك يؤلمني كثيرا؛ لأننا قريبون جدا من بعض.
أبي من النوع العقلاني جدا الذي يرى نفسه دائما على حق، ويعتقد أن جميع من حوله أقل منه فهما، يسعى دائما للكمال، ولا يرضى بالخطوات البسيطة، يعتقد أن عائلته لا تحبه، ولا تحترمه، مع أن الجميع يشهد بحبنا له، ويحسدوننا على علاقتنا الأسرية القوية.
يشجعني لكي أتحدث، وأبدي رأيي، ولكن إذا أبديته بصراحة وكان مخالفا لرأيه، يغضب بشدة ويبدأ بمهاجمتي، ومهاجمة شخصيتي وطريقة تفكيري، فتحدث المشكلة.
وإذا لم أتحدث بصراحة، أو لم أبد رأيي أيضا يغضب؛ لأني في نظره ضعيفة الشخصية، فاشلة، لا نفع لها في الحياة، مع أنني خريجة جامعية، وأعمل، وأيضا أعمل متطوعة في المسجد كمشرفة.
بدأت أشك فعلا في نفسي، وفي حكمة الله من خلقي، وأنني بلا فائدة في هذا العالم، وبدأت أكرر الدعاء: (اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)، فدلني يا الله على الطريق الذي خلقت لأجله، وأرني الحكمة من خلقي!
لا أخفي عليكم أنني أيضا لدي الكثير من الأمور السلبية في شخصيتي، والتي أيضا تؤدي إلى الخلافات مع أبي، ولكنني أصبحت في الفترة الأخيرة مشتتة؛ لدرجة أني لا أستطيع حتى التفكير في تحسين نفسي، والعمل على نقاط ضعفي لحل مشاكلي الشخصية، ومشاكلي مع أبي.
أنا إنسانة مائلة للعاطفة، وحاولت أن أوصل لأبي أننا نستطيع أن نحل مشاكلنا بقليل من العاطفة، والكلام الإيجابي منه تجاهي، ولكنه غير مقتنع أصلا بتغيير طريقته، ولا يرى نتيجة للكلام الإيجابي.
أرجو أن أكون قد أوصلت مشكلتي بالطريقة الصحيحة لكم، وأتمنى من كل قلبي أن تنصحوني لإصلاح علاقتي مع أبي، ومع نفسي.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Janna حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة-، وشكرا على هذا السؤال الذي يدل على رغبة أكيدة في الخير، ورغبة في البر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي والدك، وأن يهدينا جميعا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
أرجو أن لا تتأثري بكلام الوالد، الوالد دائما يتمنى أن يكون أبناؤه أفضل من يمشي على وجه الأرض، ويؤسفنا أن أسلوب بعض الآباء لا يساعد على هذا، ولا يؤيد على هذا؛ ولكن أعتقد أن من كتبت هذه الأسطر قادرة على تفهم هذا الجانب، ومن المهم جدا أن تحسني الاستماع للوالد، ولا تتأثري سلبا بكلامه، طالما كان هذا الأسلوب معروفا بالنسبة له، وطالما كان معروفا بين الناس، بأنه يشدد عليكم، أو أنه يعرف داخل الأسرة بأنه لا يقتنع بكلام أحد، فكوني مستمعة جيدة.
وقومي بتلبية طلبات الوالد بقدر المستطاع، فإذا غضب بعد ذلك، فلا يضرك؛ لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، والذي يحاسب فيها ويجازي هو الله تبارك وتعالى، وكون الوالد لا يرضى بالمعاملة أو بنتائجها، هذا لا يضرك من الناحية الشرعية، إذا قمت بما عليك، وإذا كان طموح الوالد مرتفعا، فاجتهدي في أن ترتفعي لذلك المستوى، وحاولي دائما أن تفعلي الأمور التي ترضي الوالد، وقبل ذلك ترضي الله، ولا حساب عليك فيما هو فوق طاقتك.
وسعدنا باهتمامك بالمسجد، وتواصلك مع الآخرين والأخريات ممن حولكم، ونظرة الآخرين لنا هي النظرة الحقيقية، بخلاف نظرة الوالد أو الوالدة، فإنها قد يكون فيها شيء من المبالغة، ولذلك أتمنى أن تجتهدي في البحث عن سبل أخرى للنجاح، واستفيدي من الجانب الإيجابي، واجعلي كلام الوالد يحركك نحو مزيد من المعالي؛ ولا تجعلي كلام الوالد سببا للتراجع، أو بمعنى آخر لا تنتظري أن يتغير الوالد، ولكن تغيري أنت واجتهدي في فعل العمل الإيجابي الذي يرضي الله، وفكري في تحسين نفسك، فلا تتوقفي؛ لأن الوالد يقول كل هذا من أجل أن يدفعك، لكن الأسلوب هذا ربما أثر عليك سلبا، لكن عليك أن تنظري إلى نيته وقصده، وليس إلى تعامله وكلماته التي تشاهدينها أو تعتقدين أنها تؤخرك.
والإنسان ينبغي أن يعمل على نقاط ضعفه إذا دله عليها الوالد، أو دله عليها حتى عدو، يستفيد من هذه النقائص من أجل أن ينميها، وإذا كنت ولله الحمد لك أدوار في المجتمع كما هو ظاهر، ولك أدوار مثلا في خدمة المسجد أو نحو ذلك، فهذا يدل على أن أبواب النجاح مفتوحة؛ ولذلك أيضا أرجو أن تختاري الأوقات المناسبة للحوار مع الوالد، وتنتقي الألفاظ الجميلة، المهم غيري طريقة أسلوبك معه.
ونتمنى لو أن الوالد يتواصل مع الموقع ليذكر ما عنده، وإن لم يتواصل، فأنت ينبغي أن تغيري طريقتك، وتلاطفيه بالتعامل، واهتمي باختيار الوقت، وانتقاء الكلمات، والمشكلة وصلت إلينا، ولكن نحن بحاجة إلى إما أن يتواصل الوالد معنا، وإما أن تغيري أنت طريقة التعامل مع الوالد، ونعتقد أن الإنسان إذا أصلح علاقته مع الله، وهذا هو الأساس، فإن الله يصلح ما بينه وبين العباد، فإذا أصلحت ما بينك وبين الله أصلح الله ما بينك وبين الوالد، وما بينك وبين الناس.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ونحن نرى الجانب الإيجابي في هذه الاستشارة، وهي الرغبة في التحسن، والرغبة في تجاوز هذه الصعاب، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يرفعك عنده درجات.
ونكرر الترحيب بك، ونتمنى أن تتواصلي لتبشرينا بأن هناك تحسنا، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم.