السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشكلة أثرت علي في جميع جوانب حياتي، وهي أنني لا أستطيع التفاهم مع أهلي مهما حاولت، وهي المشكلة الوحيدة التي لدي.
أنا أعلم ذلك، حتى عندما وصلت للذة الإيمان، وكنت في قمة السعادة بالقرب من الله، أصابني صراع نفسي بأنني عاق، وأن ما أفعله من طاعات سيبدد نتيجة عقوقي لأهلي، لا أعلم لماذا علاقتي بأهلي لا يوجد بينها حبل من التفاهم والود؟!
أنا أحبهم، وأود برهم، وكم دعوت ليل نهار أن يعينني الله على برهم، ولكن لا أعلم لماذا عندما أتحدث معهم أشعر بالاستفزاز، ويرتفع صوتي، وأجادلهم، وخصوصا والدي، ومن كثرة الغضب أبكي في نهاية النقاش، كم عانيت بسبب أنني لا أستطيع التحكم بنفسي.
أبي عصبي جدا عندما يغضب، ولا أستطيع تحمل كلامه الكثير المتكرر، وهذا الأمر أثر على علاقتي بأبي، فأصبحت كل أوقاتنا مشاكل، وعندما أغضب أحيانا أمتنع عن الكلام، ويظل يرمقني أبي بنظرة الغاضب، ولا يطيقني في تلك اللحظة.
تعبت من النقاش معه، وتعبت من أنه لا يفهمني؛ فهو يظن بأنني أعانده، ولكنني والله لم أفكر بهذا التفكير، ولكنني كلما أقبل لمساعدته من تلقاء نفسي، وأعمل شيئا لأرضي أبي، فإن كل ما أفعله لا يعجبه، وهذا الأمر أتعبني جدا، فأصبحت لا أحاول عمل شيء، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سليمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.
حرصك الشديد على إصلاح هذه العلاقة دليل على الخير الموجود في قلبك؛ إذ أن بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله تعالى، والعقوق من الكبائر.
لذا من المهم جدا أن تعرف أسباب هذه المشكلة، ولماذا أصبحت لا تتحكم في علاقتك بأهلك، ولا شك أن هذا الأمر ناتج عن العجز في إدارة الانفعال والغضب، كما أن الوقوع في مثل هذه الانفعالات له مسببات كثيرة؛ ومن أهم أسباب سرعة الانفعال والغضب ما يلي:
أولا: التنشئة الأسرية؛ فقد ذكرت أن والدك عصبي جدا، وهذا ما يجعله يغضب كثيرا، ولا شك أن حياتك في بيئة مليئة بالغضب، سواء في المنزل أو خارجه؛ جعلتك تعتاد هذا السلوك السلبي.
ثانيا: الضغوطات الحياتية الكثيرة، والأزمات الشخصية؛ حيث تسبب نوعا من الانفعال النفسي يؤدي إلى لحظات انفجار الغضب، وعدم القدرة على السيطرة على النفس.
ثالثا: الوازع الإيماني والأخلاقي؛ عندما يكون الوازع الديني والأخلاقي ضعيفا، فقد تتغلب المواقف على الشخص، وتقوده إلى تحكيم هوى النفس ونزعات الغضب، بينما على العكس، الإنسان ذو الإيمان القوي، والخوف من الله، مهما كان الغضب قويا، فإن إيمانه وخوفه من الله أقوى، فيلجم غضبه بتقوى الله وخشيته من عقابه.
رابعا: عدم الشعور بالأمان والإشباع العاطفي؛ فرغم أنك في سن النضج والوعي، لكن يبقى الإنسان بحاجة إلى الشعور بأمان الأسرة، والإشباع العاطفي، والامتنان والتقدير، فإذا انعدم ذلك؛ فإن الشخص يلجأ إلى محاولة إثبات وجوده بالقوة والصراخ، وفرض الرأي كنوع من إبراز الشخصية، وإثبات الذات.
خامسا: الفراغ، وضعف الاهتمامات، من أهم ما يسبب تنامي حالة الغضب والانفعال هو كثرة الفراغ، وعدم وجود أهداف واهتمامات سامية ترتقي بالإنسان، وتسمو بفكره وروحه بعيدا عن الانفعال والغضب لأتفه الأسباب.
أخي الفاضل: لكي تصلح علاقتك بوالدك، عليك أن تتحكم في انفعالك وغضبك، فمشاعر الحب والتقدير موجودة لديك، لكنك بحاجة إلى حسن إدارتها وتوجيهها في مكانها الصحيح؛ لذا ننصحك بمجموعة من النصائح التي تعينك على ذلك:
أولا: تعزيز العلاقة بالله تعالى، وتنمية الخوف منه، فكلما زاد الخوف من الله؛ كانت النفس أكثر تقوى وخوفا من نتائج الانفعال والغضب.
ثانيا: الابتعاد عن كل مسببات الغضب والانفعال الظاهرة، كالأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة: كظن السوء، وتأويل المواقف والشك، حاول إحسان الظن بالآخرين، واحمل المواقف على أحسنها، وبادر إلى النظر إلى الإيجابيات قبل أي شيء، كذلك ضع نفسك مكان الطرف الآخر.
ثالثا: تشتيت لحظة الانفعال بالانشغال بأي شيء يبدد قوة الغضب، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" رواه أبو داود. فشتت لحظات الغضب بأي عمل: كالرياضة، أو الخروج، ونحوه.
رابعا: إضعاف الاستجابة السريعة للغضب بالعلم والمعرفة، وصناعة الأهداف الراقية في حياة الإنسان؛ فكل ذلك مما يهذب النفس ويرفعها عن سفاسف الأمور؛ فتتسامى عن الغضب ونتائجه.
خامسا: معالجة الأسباب النفسية والعاطفية والصحية. فالإشباع العاطفي مهم، والاحتواء يساهم في الشعور بالانتماء والحب للأسرة، ومعالجة المشاكل الصحية التي قد تزيد من حدة الغضب، مثل: القرحة المعدية، والقولون، ونحو ذلك.
أخيرا: أخي العزيز، الدخول في حوار صريح وواضح مع والدك مهم جدا، لتشرح له ما تمر به وتوضح له مخاوفك وما تريد، وهذا الأمر سيساعدك كثيرا، الاكتفاء بالخوف والشكوى لا يكفي لمعالجة المشكلة؛ فحق الوالدين عظيم عند الله، والإساءة المتعمدة إليهما من العقوق بلا شك، ومن الكبائر التي تحبط الأعمال.
لذلك: عليك أن تدرب نفسك على التحكم بالغضب، وإدارة انفعالاتك، ومع الوقت، والتدرج، والاجتهاد -بإذن الله- ستتغير نفسيتك وحياتك.
أكثر من الدعاء والتضرع أن يوفقك الله للتخلص من هذا المرض، أكثر من مجالسة العلماء والصالحين، وأصحاب الأخلاق والأدب الرفيع، فالمخالطة تساعدك على تجنب أسباب الانفعال، واكتساب أخلاق جميلة.
وفقك الله لما يحب ويرضى.