السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا فتاة، لي أخت واحدة، منذ صغرنا وأبواي يتشاجران بالليل والنهار، أمي لا تفهم كلامنا عندما ننصحها، وأبي لطالما ضربها وسبها واعتدى عليها، وهددها بالطلاق أمامي، وأمام أختي، وإذا جاءت لترد عليه هددها بالقتل!
كبرت أنا وأختي ونحن نرى كرامة أمي محطمة، منذ صغري وأبي يخفي عنا الأسرار، كان يجعل أمي تسافر بدون مال كاف، كان يجعلها تشقى حتى عند حملها!
أبي جيد في كثير من الأحوال معنا، لكن كثرة مشاكله مع أمي تجعلني أريد الانفجار، مللت البكاء والصراخ، والتهديد بالطلاق والقتل والشتائم.
في أحيان عديدة من حياتنا نضحك، ونستمتع، لكن الأمر ينقلب سريعا إلى نزاع بين والدي، لا أذكر يوما واحدا من حياتي اجتمعا فيه ولم يتشاجرا، عائلتي ليست متمسكة بتعاليم الإسلام الدقيقة، كالحجاب الشرعي، لكنني و-لله الحمد- ارتديته قبل سنتين، وأطلب من الله أن يثبتني عليه، انصحوني من فضلكم، لقد تعبت ومللت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في الموقع، ونشكر لك الاهتمام بأمر الوالدين، ونسأل الله أن يعينك على الصبر.
نذكرك بأن الصبر على الوالد أو الوالدة من أوسع أبواب البر والطاعة، و-الحمد لله- أنت في عمر يؤهلك، لأن تستطيعي وتتمكني من امتصاص هذه المواقف، والاجتهاد في تلطيف الأجواء، والتخفيف على كل من الوالد والوالدة، لأنك في هذه الحالة مطالبة أن تحسني للجميع، وأن تحترمي الجميع، وأن تبري الوالد رغم تقصيره في حق الوالدة، وأن تحسني للوالدة وتبالغي في إكرامها حتى لو قصرت في حق الوالد، هذا الذي يسألك الله -تبارك وتعالى- عنه.
أحيانا قد تجدين التعليمات متصادمة، فالأب قد يطلب شيئا والأم لا تريده، عند ذلك كوني مستمعة جيدا، وافعلي ما يرضي الله تبارك وتعالى، ونذكر بالعبارة الجميلة التي قالها الإمام مالك لمن قال له: أبي يأمرني وأمي تنهاني، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك، هذه العبارة الجميلة كان يقصد منها حسن المداراة، حسن التعامل معهم، فإذا كنت عند الوالدة فشجعيها وصبريها، وذكريها بالله، واجتهدي في إرضائها، ولا تكلفيها ما لا تطيق، ولا تكثري اللوم عليها، ولا تمدحي الوالد أمامها.
إذا كنت مع الوالد أيضا، فاشكري له فضله وإحسانه، واذكري إيجابياته، وبالغي في طاعته وإكرامه، فإذا طلب منك شيئا لا يرضي الله فاستمعي إليه، لكن لا تفعلي، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، وإن طلب منك أمرا يضرك أيضا، لا تفعلي، ولكن لا بد أن ندرك أن الذي أمامنا هو والد وهي والدة.
منهج الخليل في دعوة والده الذي كان سادنا للمشركين وقائدا لهم، ويرعى أصنامهم يقول: يا أبت.. يا أبت.. يا أبت، في منتهى اللطف، فالإنسان حتى لو أراد أن يغير منكرا عند الوالد أو الوالدة، لا بد أن ينتقي الكلمات، لا بد أن ينتقي ألطف العبارات، لا بد أن يقدم بين ذلك صنوفا من البر والإحسان، ومع ذلك قد يغضب الوالد، رغم أنه على الخطأ، كما قال والد إبراهيم: (لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) عندها قال له في لطف وأدب: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا).
فمهما قصر الوالد أو الوالدة، إلا أنهم يستحقون البر والإحسان، وإذا كان الوضع كذلك، فأرجو أن لا تحملي نفسك ما لا تطيق، واعلمي أن دورك هو التخفيف، وحماية أختك أو إخوانك والأطراف الآخرين الموجودين، والاجتهاد دائما في تلطيف الأجواء، وتفادي أسباب الاحتكاك، إذا كان هناك أسباب واضحة للاحتكاك فليجتهدوا في تفاديها، ونسأل الله أن يعينكم على تجاوز هذه الصعاب.
نحن نشعر بصعوبة الوضع، لكن ننتظر من بناتنا المتعلمات، ومن أبنائنا الذين نالوا حظا من العلم أن يحسنوا إدارة مثل هذه المواقف، وأن يخرجوا دون أن يتأثروا، بل ينبغي أن نتفادى تكرار هذه الأخطاء.
لذلك أزعجني أن يكون بينكما تشاجر، أنتم إخوة وأخوات، لأن الخصام لا نريده، لا نريد للصورة أن تتكرر، والإنسان قد يرى نموذجا لا يحبه، فيدفعه ذلك إلى اتخاذ النموذج المعاكس، وهو النموذج الفاضل، فلا نريد التأثر السلبي بالذي يحدث، ولكن نريد تأثرا إيجابيا، وفي الاتجاه الصحيح، فإن لكل فعل ردة فعل.
لذلك ينبغي أن تكون ردة الفعل إيجابية، ونسأل الله أن يعينكم على صعوبات الوضع، ولكن لا نرضى فكرة تركهم والبعد عنهم، وبل لا نرضى أن تجهري بمثل هذا، لأنه يجرح مشاعرهم، ولكن كوني حريصة على اختيار الأوقات المناسبة إن أردت النصح، وانتقاء الكلمات الجميلة، وتذكير كل من الوالد والوالدة بفضله وسهرهم وتعبهم في تربيتكم.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونسعد بالاستمرار والتواصل مع الموقع حتى تأخذي مزيدا من الإرشادات، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يرفعك عنده درجات.