نزلت بي الابتلاءات جملة واحدة..فهل من نصيحة؟

0 12

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لله الحكمة البالغة والعدل التام في كل مقاديره، و-حاشاه جل وعلا- أن يظلم أحدا مثقال ذرة فما دونها، لا أبرئ نفسي ولا أزكيها على الله، ولا أنفي عظيم ما اكتسبت عليها، نزلت بي الابتلاءات بالجملة، وتدمرت بصفة شبه تامة، وأنا حاليا على شفا جرف هار، وإن لم يتداركني ربي برحمته لأكونن من الهالكين فيما بقي لي من دنياي وفي الآخرة دار الخلود، فقدت كل شيء تقريبا، وتعسرت كل أموري، وجاوزت الأربعين، فلا بيت ولا مال ولا زوجة ولا أولاد، ومثلما يقول إخواننا السوريون "كل هذه المصائب كوم وابتلائي بالتشوه الخلقي كوم".

أصبت بالاكتئاب والرهاب الاجتماعي... إلخ، ولا أدري ما الباقي مما هو من اختصاص السادة أطباء النفس، وقد زاد الطين بلة كرهي لكل أرحامي، وقطعي إياهم، بل وقد وقع في قلبي شيء من كره والدي اللذين التقطت أذناي شيئا من حديثهما عني وعن أخوين آخرين لي، ممن شاء الله أن يكون حظهما الدنيوي ضيقا، بل سمعت والدتي التي جل معارفها من شياطين الإنس تتمنى موتي! وهي كثيرة الغيبة، رغم تنبيهي لها سابقا، فكرهتها، وصرت لا أطيق حتى النظر في وجهها.

أشعر بأنني إنسان ملعون، مكتوب عليه الشقاء، وطبعا لا أقدح بعدل الله، لا أستطيع حتى السفر وتغيير البيئة بسبب قبحي الشكلي الذي أدخلني في سجن قضبانه نظرات الناس واستهجانهم لمنظري الذي لا دخل لي فيه، ولا أستطيع بغالب ظني حتى الزواج لتلبية حاجات نفسي التي فطرنا الله عليها.

اقتربت من الانتحار الذي وراءه الهلاك والثبور، فترت عن الذكر والعبادات، ولم أستطع سوى المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة، ولا أظنني سأقوى على غيرها، ليت ربي يميتني ويغفر لي ضعف همتي واقتراب نفاذ صبري كلية!

أرجو ألا يؤاخذني أفاضل الموقع بكثرة الدندنة حول نفس الموضوع، فإني فقط أعبر عن آلامي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونبشرك بأننا في الموقع نرحب بك، ونذكرك بنعمة الله علينا وعليك بالهداية، وبنعم الله التي لا تعد ولا تحصى، ونحب أن ننبهك إلى أن الإنسان ينبغي أن يجتهد في اكتشاف نعم الله عليه، فمن نعم الله عليك العظمى قدرتك على التواصل، وقدرتك على الكتابة، وعلى ترتيب هذا السؤال وهذا الكلام المرتب.

هناك نعم كثيرة أرجو أن تبحث عنها؛ لأن الإنسان إذا تعرف على النعم فشكرها نال بشكره لربه المزيد، وأرجو أن تعلم أن الرب العدل الكريم الرحيم إذا منع شيئا يعطي أشياء، ونحن على ثقة أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا وعنده نعم، فالإنسان أحيانا قد يفقد نعمة المال لكن يمتعه الله بنعمة الصحة، وقد يفقد المال والصحة، لكن يمتعه الله تبارك وتعالى بنعمة الذكاء والألمعية، فنعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يتعرف على هذه النعم.

ومن الشقاء أن ينظر الإنسان إلى ما عند الناس:
فإنك متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه، ولا عن بعضه أنت صابر

إذا أرجو أن نبدأ فنغير تفكيرنا سويا، لنبدأ أولا نتعرف على نعم الله علينا، ثم ننظر إلى من هم أقل منا، كما ورد في الحديث: (انظروا إلى من أسفل منكم) فهناك من يفقد النعم، فتجده لا يملك شيئا، ولا يملك جمالا، ولا يملك مالا، وهو مع ذلك مصاب بأمراض مستعصية، (انظروا إلى من أسفل منكم) في كل أمور الدنيا، (‌ولا ‌تنظروا ‌إلى ‌من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله) أما في الدين فننظر للأتقى؛ لنتأسى به، ننظر للذي يحفظ كتاب الله فنسير على خطاه، ننظر دائما إلى أصحاب المعالي، ننظر للصحابة، بل ننظر إلى رسولنا وأسوتنا وقدوتنا، نتشبه به، نسير بسيرته، لنحاكيه -عليه صلاة الله وسلامه- نطيعه، {وإن تطيعوه تهتدوا}.

كذلك أيضا من الأمور المهمة جدا التي نحب أن ننبه لها: ألا تلتفت لنظرات الآخرين؛ فإنهم يأثمون، ويعطونك من حسناتهم، والذي يسخر منك إنما يعطيك من حسناته، أو يحمل عنك من ذنوبك، فأنت رابح.

أما بالنسبة للوالدة؛ فالصبر عليها من البر، وإذا لم يصبر الإنسان على والدته، فعلى من يكون الصبر؟! واستمر في نصحها، لكن لا تعلن كرهك لها، واحرص دائما على أن تؤدي ما عليك؛ فإن أمر الوالدين عظيم، قال العظيم: {وإن جاهداك على أن تشرك بي}، فلو أن هذه الوالدة تقول لك اكفر بالله، ولا تصل، قال العظيم {فلا تطعهما}؛ لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، لكن لم يقل تكرههم، تشتمهم، تسيء إليهم، بل قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

والإنسان في تعامله ونصحه لوالديه أيضا ينبغي أن يتلطف، وقدوته في ذلك الأنبياء، ومنهم الخليل -عليه الصلاة والسلام- مع والديه: {يا أبت ... يا أبت ...}، فلما رفض الوالد واشتد عليه، قال: {لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا}، ماذا قال الخليل إمام الدعاة وسيد الموحدين؟ قال: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا}.

ونتمنى أن تكون هذه الاستشارة سببا لتغيير طريقة التفكير التي عندك، وابتعد عن الانتحار ومجرد التفكير فيه، وتعوذ بالله من شيطان لا يريد لنا الخير، ولا تفتر عن الذكر والعبادات، وتقرب إلى رب الأرض والسماوات، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، ونؤكد لك أن الإنسان بطاعته لله {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، والعظيم لا ينظر إلى صورنا ولا أجسادنا، ولا إلى أموالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فاعمل لربك بإخلاص واتباع للسنة، واجعل قلبك عامرا بتوحيد الله ومراقبته، وأبشر بالخير من الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات