السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
إنا إنسانة من داخلي أتمنى الخير لكل الناس، ولا أحب أن أؤذي أحدا، ولا أتدخل في مشاكل أحد، ودائما أعطي الأعذار لمن حولي، لكن للأسف أنا أؤذيهم من غير أن أشعر، وهذا الشيء يزعجني كثيرا، ودائما يؤنبني ضميري.
مثلا ذات مرة حكت لي ابنتي وهي بعمر١١ عاما أن إحدى الفتيات قالت لها كلاما جنسيا يفسد أخلاقها، وكان الكلام طويلا وسيئا للغاية، فصدقت ابنتي لأنها لم تسمع هذا الكلام من قبل، فمن أين ستأتي به؟ وذهبت أنا للمدرسة واشتكيت على الطالبة، ووقتها غضب أهل الطفلة من ابنتهم كثيرا، لدرجة أن أمها جاءت للمدرسة تبكي، وبعد مرور عدة أعوام اكتشفت أن ابنتي ربما كانت تكذب، أو تهول الأمور أو تجمع كلاما من عدة صديقات، حاولت كثيرا البحث عن الحقيقة، ولم أتوصل إذا كانت صادقة أم كاذبة، لكن ضميري يؤنبني كثيرا أني ربما أكون ظلمت طفلة، ربما أهلها ضربوها ضربا مبرحا وربما كرهوها.
أحيانا كثيرة أتكلم عن الناس من غير أن أشعر، من باب الفضفضة لأمي، فأتفاجأ أن أمي نشرت هذا الكلام بين كل من تعرفهم، أصبحت أكره نفسي، لكثرة ظلمي للناس بلساني!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال الرائع الذي يدل على نفس لوامة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبعدك عن الظلم، وأن يلهمنا جميعا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا.
الإنسان ينبغي أن ينتبه لفلتات لسانه، وهذا أمر من الأهمية بمكان، وخوفك في مكانه، ولكن عليك بالتوبة النصوح، وعليك بتحسين صورة من أسأت إليهم، وعليك بالدعاء لمن قصرت في حقه، لأن هذا اللون من الذنوب هي الذنوب المركبة، التي إذا تاب منها الإنسان تاب الله عليه، ولكن يبقى عليه حق العباد الذين ظلمهم أو اغتابهم.
الذي حدث من بنتك من كلامها عن الفتاة، هو معاقبة أهلها وشدتهم عليها؛ أرجو ألا يكون فيه مبالغة، على كل حال: فعليك بالتوبة، وإذا كنت تعرفين الفتاة وأهلها فحسنوا من صورتها، واذكروها بالخير كما ذكرت بالشر، فهذا الذي ينبغي أن نفعله مع كل من نغتابه، وكل من نظلمه، علينا أولا أن نتوب ونستغفر، ونكثر من الحسنات الماحية، ثم نجتهد في ذكر أحسن ما في هذا الشخص الذي ظلمناه.
إذا كانت الأماكن معروفة فإنا نذهب لنفس الأماكن، فنذكر الذين ذكرناهم بالسوء، نذكرهم بالخير، ثم بعد ذلك نشتغل بعيوب أنفسنا، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
أنت و-لله الحمد- عندك جوانب مشرقة، أنك لا تتدخلين في مشاكل أحد، وتلتمسين الأعذار، ولكن يبقى الانتباه للجانب الآخر، الأذية التي يمكن أن تحدث للآخرين دون أن تركزي عليها، دون أن تكوني منتبهة، وهذا قطعا لا يعفي الإنسان، ولذلك ينبغي أن تتجنبي مثل هذه المجالس التي فيها غيبة، وتتجنبي الحديث أمام الوالدة عن الآخرين، خصوصا إذا كانت ستنقل هذا الكلام؛ لأن الأذى يتضاعف بنقل هذا الكلام.
على كل حال: فكرة السؤال رائعة، وهذا الضمير الذي يؤنب هذه النفس اللوامة من الأمور المفيدة، وهي البداية الصحيحة للتصحيح، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ونحن بحاجة إلى أن نحاسب أنفسنا، إلى أن نركز في كلماتنا، إلى أن نركز في تصرفاتنا، وإلى أن نشغل أنفسنا بما خلقنا له، فـ (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
نعتقد أن الروح التي كتبت بها الاستشارة تدل على رغبة في الخير، فاستعيني بالله، واستأنفي حياة جديدة فيها الاهتمام بما خلقت لأجله، فيها الاهتمام بما هو نافع ومفيد، وإذا صدر منك كلام في حق أخت معروفة، فلا مانع من أن تعتذري منها، إذا كانت ستقبل الاعتذار، أو تكثري لها من الدعاء والثناء إذا كنت تخافين من تضاعف المشكلة إذا علمت أنك تكلمت فيها.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على تجنب الذنوب المركبة التي فيها حق للعباد وحق لرب العباد، فإن الله ما سمى نفسه التواب إلا ليتوب علينا، لكن حقوق الناس مبنية على المشاحة، نسأل الله أن يشغلنا بعيوبنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.