شاب أسرف على نفسه ويفكر في الانتحار

0 506

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
إخوانى في الله / العاملين بالشبكة الإسلامية (ركن الاستشارات)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا: أود أن أقول لكم: جزاكم الله خيرا، عسى أن أوفيكم حقكم بهذه الكلمات الطيبة، وإن كان الأجر الأكبر والأعظم هو عند الله رب العالمين. والله أسأل أن يجعل أعمالكم الصالحة لوجهه الكريم خالصة ، ولذنوبكم ممحصة.
ثانيا: أنا من مدمني الشبكة الإسلامية وبالذات ركن الاستشارات، وأنتم بحمد الله وفضله لكم فضل كبير علي، وأنا قد استفدت منكم كثيرا.


ولكن هذه المرة كنت أود أن تكتبوا لصديق لدي، أسرف على نفسه كثيرا، وغرق في بحور الإثم والكبائر منذ نعومة أظفاره، ولكنه الآن يمر بحالة نفسية سيئة، ويعتقد أنه ليس له من توبة، وأن الله لن يقبله، لدرجة أنه يفكر في الانتحار، وأنا تعبت معه ولا أعرف ماذا أفعل من أجله؟ وكيف أعيد له الثقة بنفسه مرة أخرى ليبدأ حياة جديدة نظيفة طاهرة، عسى الله أن يجعل على أيديكم الهداية والرشاد.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، ونشكرك على حسن ظنك بنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل لك من الدعاء نصيبا، وجزاك الله عنا خير الجزاء وأجزل لك المثوبة والعطاء، ويسرنا - أخي الكريم أحمد – أن نرحب بك في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق وأن يشرح صدرك للإيمان، كما نسأله تبارك وتعالى أن يغفر لصديقك وأن يتوب عليه وأن يهديه صراطه المستقيم.

وأنا أحمد لك أيضا وأشكرك على حرصك على منفعة صديقك ومصلحته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صدقك وعلى إخلاصك وعلى أصالة معدنك؛ لأن الصاحب ساحب والمرء على دين خليله وأنت رجل مسلم تعلم أن من حق المسلم على أخيه المسلم أن ينصح له، ولذلك أنت نصحت له ووقفت معه ولم تكتف بذلك وإنما مددت يدك لطلب المساعدة له، فجزاك الله خيرا على هذا الشعور الطيب ونعم الرجل الصدوق الصادق أنت.

وهنيئا لأخيك بك لأنك فعلا حريص على مصلحته، وهذا هو الصديق الصاحب الصدوق الذي إن نسيت ذكرك وإن ذكرت دعا الله تبارك وتعالى لك بالقبول وأعانك وإن غبت عنه حفظك في دينك وحفظك في مالك، ولا ينساك من دعائه ولا من فعل الخير الذي ينفعك به في الدين والدنيا معا.


أحب أن أقول لأخيك: هنيئا لك أخوة أخيك - أحمد وفقه الله - فالرجل حريص على مصلحتك فعلا، وهو يتألم ألما شديدا لما أنت به، ونحن نتألم أيضا معه لأننا نحب الصدق والصادقين ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

أخي الكريم! إن الله تبارك وتعالى جل جلاله أخبرنا بقوله: (( ورحمتي وسعت كل شيء ))[الأعراف:156]. فما من شيء في هذا الكون – في العالم العلوي أو السفلي – إلا ورحمة الله تسعه، فكل الأشياء وكل الذنوب وكل المعاصي وكل الخطايا تسعها رحمة الله تبارك وتعالى وما من شيء تضيق عنه الرحمة إلا الشرك بالله تعالى، لمن مات عليه حيث قال جل جلاله: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))[النساء:48].
وهذا في حق من مات على الشرك، فإن تاب قبل الموت تاب الله عليه.

أنت الآن - بارك الله فيك – قد أسرفت على نفسك فيما مضى، والآن قد انتبهت وعدت إلى رشدك وعلمت أن ما كنت فيه باطل وأنه كان مجانبا للصواب وكان حربا لله ورسوله، أنت الآن قد توقفت وتعقلت، فما الذي يمنعك من اتخاذ الخطوة الصحيحة وهي الرجوع إلى الله تبارك وتعالى وإبداء الأسى والندم والأسف لما بدر منك، واعلم - أخي الكريم – أن ربك حيي كريم، رحمن رحيم، لطيف ودود، غفور غفار، وأنه ذو مغفرة، وستير، وأنه ذو رحمة، أنه عفو يحب العفو ويعفو عن كثير.

اعلم - أخي الكريم - بارك الله فيك – أن العبد لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم لقي الله لا يشرك به شيئا وسأل الله أن يغفر له لغفر له كل الذي كان منه ولا يبالي، وهذا كلام الله كما ورد في الأحاديث القدسية عن صاحب العظمة والجلال سبحانه، بل إنه وهو الغني عنا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
بل إن الأمر أعظم من ذلك فلعلك سمعت بقصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم أراد أن يتوب فلما سأل هذا العالم: هل لي من توبة؟ قال: (ومن يحول بينك وبين التوبة)؛ لأن باب التوبة - أخي الكريم – مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، باب التوبة مفتوح ما دام العبد حيا ما لم يصل الأمر إلى الغرغرة – إلى نهاية الحياة – فما دام حيا ففي آخر لحظة قبل الغرغرة لو سأل الله أن يغفر له لغفر الله له، والمولى جل جلاله يبشرك: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ))[الزمر:53].
ويقول أيضا جل جلاله: (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ))[النساء:17]، والله تبارك وتعالى يقول: (( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ))[النور:31]، ويقول: (( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ))[التحريم:8]، فالله ينادي عليك - أخي الكريم – والله تبارك وتعالى يقول: (( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ))[الحجرات:11].

إذن الذي لم يتب هو ظالم، ظالم لنفسه، ظالم لنفسه، ظالم لنفسه؛ لأن باب التوبة فرصة متاحة.

واعلم - أخي الكريم – أن الله يحب التوابين كما قال سبحانه: (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ))[البقرة:222]، فمهما عظمت ذنوبك فإن رحمة الله أعظم، مهما كثرت ذنوبك فإن رحمة الله أوسع، والله تبارك وتعالى واسع عليم حكيم جواد كريم، فلا تجعل الشيطان يضحك عليك، اعلم أن الذي أنت فيه من اليأس والإحباط إنما هو من كيد الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريدك أن تعود إلى الله وأن تأخذ هذه الخطوة المباركة بالتوبة والاستغفار إلى الله، يريد أن يغلق أمامك أبواب الرحمة، يريد أن يقول لك: إن مثلك لن يغفر الله لهم، أنا أسألك هذا السؤال: كم نفسا قتلت؟ كم نفسا قتلت؟!.. هذا الرجل قتل مائة نفس، وقطعا مع القتل حدثت مصائب عظمى وبلايا كبرى وسيئات لا يعلم بها إلا الله، ورغم ذلك ما أن اطلع الله على صدقه – صدق نيته في التوبة – حتى أدخله الجنة وهو لم يعمل خيرا قط.

أخي الكريم! هذا الرجل لم يصل لله ركعة، لم يسجد لله سجدة، ولكن ما إن خرج وترك هذه البيئة الفاسدة وتوجه إلى القرية الصالحة التي بها عباد الله الصالحون – كما نصحه ذاك العالم – مجرد الحركة – وهذه خطوة التغيير الضرورية منك الآن – لأن الله تعالى قال: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11]، فالتغيير يبدأ منك أنت، الله جل جلاله رحمته متنزلة بالليل والنهار، يده مبسوطة بالليل والنهار، ولكن الخطوة الأولى عليك أنت.

قم وقف يا رجل وقل: يا رب إني راجع إليك، إني تائب إليك، إني متوجه إليك، إني مقبل عليك، هل تقبلني.. وعزة ربي وجلاله لو سمعت الجليل فوق عرشه لقال: لقد قبلتك يا عبدي وغفرت لك؛ لأنه لا يرد أبدا دعوة عبد دعاه ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم؛ لأنه جل جلاله لا يرد أحدا وقف بابه وسأله أن يغفر له، ولذلك كل ليلة قبل صلاة الفجر في ثلث الليل الآخر ينادي مولاك الجليل: (ألا هل من تائب فأتوب عليه، ألا هل من مستغفر فأغفر له، ألا هل من سائل فأعطيه)، ويقول: من الذي سألنا فما أعطيناه، من الذي وقف ببابنا فرددناه، فالفرصة الآن أمامك، والأمر كله بين يديك الآن، فأتمنى أن تنشط من عقالك وأن تبصق عن يسارك وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تقوم الآن فتغتسل وأن تقول: يا رب اللهم إني اغتسلت الآن بدنا فأسألك أن تغسلني من المعاصي والذنوب والخطايا صغيرها وكبيرها، وأن تجعلني من عبادك الصالحين وأن تقبلني في زمرة التائبين..

واستعن بأخيك هذا على الطاعة وابحث عن الصحبة الصالحة واترك البيئة الفاسدة، وأبشرك بأن الله تعالى لو علم منك صدقا في التوبة لعله أن يبدل سيئاتك حسنات (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ))[الفرقان:70] فتأتي في منزلة أعظم من كثير من العابدين الراكعين الساجدين، ووالله إنها لفرصة، فرصة لأنك لازلت حيا، انتهز هذه الفرصة وتوجه إلى الله، وسله واعلم أنه قال: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))[البقرة:186]، وقال: (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ))[غافر:60].

فاجتهد - أخي بارك الله فيك – واستغل هذه الفرصة لعلك أن تكون اليوم في عالم الأحياء فلا تدري بعد لحظة قد تخرج من الدنيا وأنت على هذه المعاصي فتعاقب عقابا شديدا في قبرك ويوم لقاء ربك، الفرصة الآن بين يديك فلا تضيعها.

أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يغفر لك وأن يتوب عليك وأن يستر عليك بستره الذي لا ينكشف أبدا في الدنيا والآخرة.
والله ولي التوفيق.



مواد ذات صلة

الاستشارات