السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد التحية الطيبة:
أنا أعاني من التشتت وضعف التركيز، خصوصا عندما أتعامل مع الناس، أنا مدرس رياضيات ومستوى ذكائي عال ـ والحمد لله ـ ولكنني عندما أتعامل مع الناس خصوصا تحت الضغط كمكان العمل، مثلا أجد نفسي وكأنني شخص آخر، شخص غير مركز وملخبط ومنقبض وعصبي ومخنوق ومشتت بشكل واضح تائه، وأحيانا أتخاصم مع زملائي على أشياء تافهة وأسامح سريعا، رغم أنه أحيانا يكون الشخص الآخر مخطئا.
أشعر فعلا أنني غير مركز وضعيف الشخصية عندما أكون في العمل، حتى أنني أضع قواعد للتلاميذ في الفصل ولكنني لا أستطيع أن أنفذها على ما يرام، لماذا؟ لأنني أشعر حينها أنني مهزوم من الداخل، نفسي مهزومة، أشعر في العمل أنني شخص ضعيف ومهزوم لا إراديا، ولست بإرادتي كذلك، فأكون شخصا لا أحب أن أكون هو ولا أتمنى، فأنا دائما أريد أن أكون إنسانا قويا وناجحا ومركزا في حياتي، ودائما أتقرب من الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه الحالة التي أنا فيها تقف فعلا حائلا بيني وبين تحقيق أحلامي.
أنا فعلا حزين على نفسي وأحتاج إلى مساعدتكم، وجزاكم الله خيرا، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المثابر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجزاك الله خيرا وبارك الله فيك، ونشكرك على هذه الاستشارة، وأنت لديك استشارات سابقة كان آخرها عن الرهاب، نسأل الله لك العافية والشفاء والصحة التامة.
فإن سوء التركيز من أسبابه النفسية بالطبع القلق النفسي، فإن القلق النفسي يؤدي إلى تشتت في تركيز الإنسان؛ لأن الإنسان لا يستقبل المعلومة بصورة جيدة، ولا يخزنها في مراكز تخزين الذاكرة بالصورة المطلوبة، ولا يتم تشفيرها التشفير الكامل، وهذا بالطبع يشوش على المعلومة ويقلل من فرص الإنسان أن يستفيد منها حينما يحتاج إلى إخراجها من مركز الذاكرة.
تلمست من رسالتك أيضا أنك تعاني من بعض الإحباطات، وتعاني ربما من درجة بسيطة من الاكتئاب النفسي.
الذي أرجوه أولا هو أن تعيد تقييم حالتك، فلا أعتقد أنك بكل هذا السوء الذي تتصوره، ولا أعتقد أنك مهزوم من الداخل، فهذه الأحكام القاسية والتي حقيقة أراها أحكاما متحيزة ضد الذات، فهي المشكلة الأساسية فيما يخص إعاقة الصحة النفسية، فأرجو أن تعيد حالتك بمسئولية وبواقعية وبتدقيق أكثر، وسوف تجد أن لديك مقدرات وأن لديك إيجابيات، وأنك بالفعل قد قللت من قيمة ذاتك.
هذا الأمر ضروري ونحن نسميه: (إعادة التقييم بصورة واقعية)، فأرجو أن تنظر لنفسك مرة أخرى بصورة متجردة.
أيضا أرجو ألا تضع دائما أسوأ الاحتمالات، فأنت - الحمد لله - بخير، وأنت لست أسوأ الناس من الذين حولك، فأنت - الحمد لله - بخير، وكل الذي بك هو نوع من القلق، فأرجو أن تسيطر على هذا القلق ولا تدعه يسيطر عليك، وهذا يأتي بالعزيمة وبالإصرار وبالثقة في النفس وبالمقدرات، وهذا كله جائز جدا.
ثانيا: عليك أن تمارس الرياضة – أي نوع من الرياضة – كرياضة المشي، ورياضة الجري، وجد أنها تزيل القلق والتوتر وتحسن التركيز جدا.
ثالثا: أنت مطالب أيضا بأن تستفيد من زمنك بصورة صحيحة، وأن توزعه وتديره بالصورة المطلوبة؛ لأن إدارة الوقت الصحيح تتيح للإنسان أن يأخذ قسطا من الراحة، وأن يمارس الرياضة ويتواصل اجتماعيا، ويروح عن نفسه بما هو مشروع، ويقوم بواجباته في وقتها، وهذا حقيقة لا يعطي أبدا فرصة للتشتت الذهني وعدم التركيز، والإنسان حين ينجز إنجازا فاعلا في أثناء اليوم ويجرد ما قام به في نهاية اليوم فسوف يحفز نفسه تحفيزا كبيرا وعظيما، لأنه قد أنجز ولأنه كان فاعلا وكان فعالا، وهذا يعطي دافعية أكثر لئن يصبح الواحد منا أكثر إنتاجا في اليوم الذي يليه، فأرجو أن تركز على ذلك أيضا.
رابعا: أنه من المفترض دائما أنك تركز على المعلومة كأنك تسمعها وكأنك تراها وكأنك تتلمسها، فلا تتعامل مع المعلومة بإحدى الحواس، تعامل معها بكل حواسك، فإذا قال لك أحد من الناس: (السلام عليكم) فهذا خاطبك لفظا وأنت سوف تسمعه، ولكني أريدك أن تراه وأن تتلمسه وأن تسمعه، فهذا يعطيك فرصة أكثر للتركيز، وحاول أن تركز على معلومة واحدة في أثناء الحديث مع الآخرين وحين تكون مستمعا.
وجد أيضا أن تلاوة القرآن الكريم بتؤدة وتمعن تحسن كثيرا من التركيز.
يبقى بعد ذلك أن أصف لك بعض الأدوية البسيطة التي تساعدك، والعقار الذي يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) سيكون هو العقار المفضل لعلاج القلق والرهاب والخوف، وسوف يحسن أيضا من مزاجك، فابدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام ليلا بعد الأكل لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع هذه الجرعة إلى عشرين مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة – من فئة عشرة مليجرام – ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناوله.
أرجو أن تطبق هذه الإرشادات وتتناول هذا الدواء، وأن تعيد تقييم نفسك بصورة صحيحة، وأذكرك بأنك معلم، ومهنة التعليم هي مهنة محترمة وممتازة ورسالة إنسانية قوية، فأرجو أن تضع نفسك في مكانها وفي قيمتها الصحيحة، ولابد أن تكون مبدعا في عملك، وأنت لديك المقدرة على ذلك.
جزاك الله خيرا أنك دائما تتقرب إلى الله تعالى، وأسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يجعلك دائما في حرزه وحفظه، وأرجو أن تطمئن، وكل عام وأنتم بخير.
ويمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول ضعف التركيز وعلاجه: (244577 ـ 242605 ـ 283815)
وبالله التوفيق.