السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد أصبت بابتلاءات كثيرة وقد ظننت أنها لظلمي لنفسي (لأنني ارتكبت كبائر الذنوب ولم أكن أصلي وتبت -والحمد لله-، وأصبحت أواظب على الصلاة لكنني أدخن) وهو بالتأكيد سبب من الأسباب.
ولكن هذا الابتلاء طال أمده واحترت كثيرا في سببه وسبب شدة البلاء الذي أعانيه، حتى تذكرت بأن هناك أناسا ظلمتهم ظلما عظيما وأعتقد أنه سبب شدة البلاء وعدم زواله؛ إذ أعتقد أنهم لم يغفروا لي، وبأن دعوتهم استجيبت لأن الله -سبحانه وتعالى- يغفر الذنوب جميعا وهو العفو الرحيم إلا ظلم الناس للناس.
أنا أعاني جدا من هذا الابتلاء ومهما تكلمت فإنه عظيم شديد وقد سلب مني الراحة والسكينة والطمأنينة ويا لها من نعم عظيمة كثير منا لا يشكر الله عليها (أسأل الله أن يقي كل مسلم من الابتلاء، آمين).
سؤالي هو: كيف أدفع هذا الابتلاء عني؟ فكرت بأن أتبرع لكل من ظلمتهم في وقف إسلامي، هل ذلك يدفع البلاء أم لا، ماذا أفعل أريد أن أرتاح؟
أريد إجابة مفصلة شافية كافية.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وأن يعافيك من هذا البلاء، وأن يرزقك الصبر عليه، وأن يعافيك كما عافى أهل البلاء كأيوب ونوح ويعقوب -على نبينا وعليهم الصلاة والسلام-.
وبخصوص ما ورد برسالتك من هذه الابتلاءات الكثيرة المتكررة التي حلت بك ومازالت وأنت تعلم أن سببها متعدد ومتنوع فمنها ظلمك لنفسك بارتكابك كبائر الذنوب، ثم بعد ذلك أيضا هناك بعض العباد الذين قد تكون ظلمتهم ظلما عظيما فيما تعتقد، وأن هؤلاء دعوا عليك، فذلك كله وراد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إياكم والذنوب، واعلموا أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه قد كان هيئ له)، وكما ورد أيضا: (ما من مصيبة تقع إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة).
فالذنوب الله -تبارك وتعالى- يقول: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، [الأنفال:53].
فالعبد يظل في أمن وأمان وفي راحة واستقرار ما لم يقع في معصية الله تعالى، فإن وقع في معصية الله تعالى فقد عرض نفسه لغضب الله وعقابه، إلا أن الله -الرحمن الرحيم جل جلاله- قد لا يعجل العبد بالعقاب لفترة طويلة حتى إن العبد لينسى الذنب وينسى الرب ولا يفكر في شيء، وقد يظن أنه في مأمن من غضب الله وعقابه فتأتيه هذه الابتلاءات متكررة وقوية ومتتابعة لتتحول حياته إلى جحيم لا يطاق -والعياذ بالله تعالى- وهذا ما قاله الله -تبارك وتعالى- في شأن الكافرين: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين)، [القلم:44-45].
إذن هذه الابتلاءات قطعا -كما ذكرت- سببها معروف: إما تقصيرك في حق الله تعالى، وإما ظلمك لعباد الله تعالى، وكلا الأمرين خطير وخطير وخطير.
العلاج:
كيف تدفع هذه الابتلاءات عن نفسك؟
الله تبارك وتعالى يقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، [الرعد:11]، فإذا غيرت من نفسك فثق وتأكد أن الله سيتغير معك -جل جلاله سبحانه-؛ لأن الله رحمن رحيم لا يعاقب العبد ظلما وعدوانا،لأنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)، ويقول: (إن الله لا يظلم الناس شيئا)، [يونس:44].
إذن الآن بالنسبة للذنوب التي فيما بينك وبين الله تتوب منها توبة طيبة نصوحا، والتوبة معناها: أولا الإقلاع عن المعصية، ثانيا: الندم على فعلها، ثالثا: عقد العزم ألا ترجع إليها مهما كانت الدواعي ومهما كانت الظروف.
فأنت فيما يتعلق بحق الله تعالى أمامك الآتي: إذا كنت لا تصلي أو إذا كنت ترتكب بعض المعاصي أو المنكرات أو غيره توقف عن ذلك -بارك الله فيك- حافظ على الصلاة في أوقاتها، حافظ عليها في الجماعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا -بارك الله فيك- واترك المعاصي الأخرى التي تعرفها وأنت تعلم بنفسك من غيرك.
إذن هذا هو الأمر الأول فيما يتعلق بحق الله تعالى، وبالنسبة للصلوات التي كنت قد تركتها فتجتهد في الإكثار من النوافل أو تقضي مع كل صلاة صلاة، إذا كان ذلك مقدورا بالنسبة لك، وتب إلى الله تبارك وتعالى توبة نصوحا، واعقد العزم على ألا ترجع للوراء مطلقا، لأنك بالصلاة -بارك الله فيك- وبالمحافظة على الصلوات الخمس سوف تعطى قوة من الله تعالى حتى في مقاومة الابتلاءات الأخرى؛ لأن الصلاة مقوي يقوي الإيمان في القلب ويقوي القلب، وهي أعظم غذاء للقلب الصلاة، ولذلك (النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، ويقول: بهذا أمرني ربي -عز وجل-).
فإذا كان عنده أمر محزن أو مشكلة أو شيء كبير كان يصلي، وكان يقول: (أرحنا بها يا بلال)، فالصلاة علاج فحافظ عليها -بارك الله فيك- ومنها سوف تنطلق لتتقوى على مقاومة بقية الابتلاءات الأخرى.
الحق الثاني هو حق العباد، وأنت تعرف أن الحقوق تنقسم إلى حقين: حق لله تعالى وحق للعباد، حق الله مبني على العفو ومبني على المسامحة، ولذلك إذا أحسنت حالك الآن واستقمت على منهج الله يغفر الله لك كل الذي سلف من ذنوبك فيما بينك وبينه.
أما حقوق العباد فهذه لا يتدخل الله فيها، حتى يوم القيامة، الله -سبحانه وتعالى جل جلاله- ترك هذا الأمر للقواعد العامة التي وضعها للفصل بين عباده، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة، ولكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا وهتك عرض هذا، فهذا يعطى من حسناته وهذا يأخذ من حسناته وهذا يأخذ من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).
إذن هناك حقان: حق يمكن رده، وحق لا يمكن رده، أما الحقوق التي يمكن ردها كالحقوق المالية وغيرها فينبغي أن تردها.
كونك تريد أن تضع لهم هذا المال وقفا إسلاميا، فهذا ليس من حقك، فهم موجودون، أصحاب الحق موجودون فتذهب إليهم وتعتذر منهم وتدفع لهم حقوقهم، ولو بالتقسيط، المهم أنك أنت تلتمس عفوهم ما داموا أحياء؛ لأنه لا يجوز لك أن تتصدق عني وأنا حي، لابد من إذن مني أنا شخصيا؛ لأنني أنا أولى بمالي، فإذا كانت هي حقوق مالية أيا كان المال وأيا كان نوعه فاجتهد على أن ترد هذه الحقوق لهؤلاء الناس ولو مجزأة، فإذا كان لشخص واحد تعتذر له الاعتذار الشديد وتطلب منه العفو والمسامحة، ثم تقول له: (إن لك عندي مبلغا من المال أو أمانة معينة وأنا سأدفع كذا على مدار كذا)، حتى وإن استطعت أن ترسلها له دون أن يعلم من المرسل، يعني أحيانا قد يتعذر عليك أن تقول هذا الكلام له، إذن تضعها في حسابه، تتحايل وتضعها في حسابه، وإذا كان له محل تجاري أو بقالة -أي شيء- المهم أن ترسل المال له، كيف؟ هذه مسئوليتك أنت، إذا أردت أن تتوب فلا بد أن تبحث عن أسباب التوبة وعن العوامل التي تعينك على التوبة الحقة.
أما إذا كانت حقوقا في العرض فهذه يصعب أن تتكلم فيها مع أحد، ولذلك في هذه الحالة تتركها لله -سبحانه وتعالى- وتتوب إلى الله توبة نصوحا، وتدعو لهذا الرجل وتدعو لأهله ولكل من اعتديت على عرضه، أن الله -تبارك وتعالى- يغفر لك ما أسلفت في حقه، وأن الله عز وجل يكرمه ويعوضه خيرا عما أخذته منه.
أما الحقوق المالية فكما -ذكرت لك- لا بد أن ترد، ما سوى ذلك ما ذكرته يكفي التوقف والندم وعقد العزم على عدم فعلها والاجتهاد في نفع هؤلاء الناس، كلما استطعت أن تنفعهم بشيء تنفعهم، يعني إذا كان هتك عرض -والعياذ بالله- واستطعت أنك تصنع له صدقة جارية، يعني أقول: (اللهم إن هذه الصدقة اجعلها في ميزان حسنات فلان؛ لأنني قد اعتديت على عرضه حتى لا يأخذ من حسناتي يوم القيامة).
فهذه إذا ما جاء يوم القيامة قال الله -تعالى سبحانه- إن عبدي قد أسرف في حقك ولكنه قدم لك هدية، ويقدم له عين ماء مثلا حفرتها له، أو اليتيم الذي كفلته باسمه أو غير ذلك كنوع من التعويض.
إذن حقوق العباد لا تسقط بحال أبدا، وإذا لم تدفعها الآن ستدفعها يوم القيامة، وهي سبب هذه الابتلاءات، فإذا استطعت أن ترد فرد الآن، ورد بكثرة حتى ولو طلبوا أزيد فأعطهم، حتى تسلم أولا من عقاب الله في الآخرة، وفوق ذلك ستسلم من هذه الابتلاءات التي حلت بك من حيث زوال السكينة والراحة والطمأنينة، هذه -إن شاء الله تعالى- سوف تعود ما دامت الحقوق قد رجعت لأصحابها، وتطلب منهم العفو، وتطلب منهم المسامحة، وتطلب منهم المغفرة، حتى تريح نفسك وحتى تنقذ نفسك.
أسأل الله أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجعلنا وإياك من صالح المؤمنين.
هذا وبالله التوفيق.