السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة من بلد متحرر، ومن طبعي أني كنت خجولة في سنوات المراهقة، ولم أكن أجيد مكالمة الشباب، ولم أكن اجتماعية، ولكني للأسف انجرفت مرة وخرجت مع زميل دراسة، وبعد فترة قصيرة أدركت أنني لست من هذا الطريق.
وبعد فترة من الصمود وصل عمري (25) عاما، وكنت متفوقة في الدراسة ولله الحمد، وحصلت على وظيفة مرموقة، ولكن لم يطرق بابي خاطب، ومن شدة اليأس تساءلت لماذا؟ رغم أن جمالي مقبول وأحافظ على قيمي وقناعاتي.
وقد يئست فتعرفت في العمل على موظف حسن اللسان والمظهر، فطلب مني أن نتعارف، فاقتنعت أنه جاد ويريد الزواج، فقبلت الخروج معه ولكن بحدود دون أن يحصل شيء يغضب الله، وبعد فترة وجدته ينسحب بعد أن أشعرني أني خجولة ولست ذات خبرة وقليلة الكلام.
وقد عانيت من صدمة حادة لأني كنت صادقة معه وجادة، وانسحبت في صمت، وبتجربتي المحدودة مقارنة بالفتيات أشعر أنه لا حظ لي مع رجال يفضلون زوجة اجتماعية تجيد الحديث في مجتمعي، ولا أجد مانعا لدي وأشعر أني قادرة على إسعاد زوجي، وأحتاج للاستقرار فقط.
وفي مجتمعنا المختلط يكاد يستحيل الزواج التقليدي، وأشعر أنني فقدت الثقة في الرجال، وصديقاتي في الدراسة - من كن يقابلن الرجال - هن اليوم متزوجات، وفي أوقات كثيرة كنت أتمنى لو أنني فعلت ما فعله الكل، والحمد لله على كل حال، لكني في ضيق وحاجة ملحة للزواج، فما توجيهكم؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فراشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونا لك على طاعته ورضاه ويعوضك عما مضى من عمرك خيرا.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن عليك أن تعلمي أن الله يحبك، ولولا محبة الله لك لكنت كهؤلاء الفتيات اللواتي يفرطن في أعراضهن لمجرد كلام عادي أو للقاءات تكون بعيدة عن رقابة أحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه قوله: (( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ))[النور:3]، فلا يمكن أن يقبل رجل بامرأة فعل معها الفاحشة إلا إذا كان هو كذلك يفعل الفاحشة، وأما الأخت الفاضلة التي أكرمها الله بحياء مثلك لا تقبل ذلك، ولذلك من تقدم إليك وتعرف عليك ربما لم يكن من طينتك الطيبة.
وأما أمثالك فأنت قد أعطاك الله أعظم هدية وهي نعمة الحياء، الحياء لا يأتي إلا بخير، أنت تقولين أنك خجولة لا تقولين حيية، الاسم الشرعي للخجل الذي عندك هو الحياء؛ لأن الخجل مرض، وأما الحياء فهو نعمة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان أشد حياء من العذراء في خدرها، فالعذراء مثلك قد ضرب بها المثل، فالحياء صفة متأصلة في الفتاة المثالية التي هي مضرب الأمثال، الحياء يحول بينك وبين أن تنحرفي وأن تقيمي علاقة محرمة، لأنك تعلمين أن هذا لا يجوز شرعا، خاصة وأنك عندما خرجت مع زميل الدراسة في سن تسعة عشر سنة وجدت أن هذا ليس هو الطريق الطبيعي الذي ينبغي أن تسلكيه فتوقفت عنه، بفطرتك الطيبة التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها؛ لأن الله أحبك، ولأن الله يحبك، فحال بينك وبين الفواحش وحال بينك وبين المعاصي.
ولك في نبي الله يوسف أسوة حسنة، ألم يقل بعد أن دعته امرأة العزيز: (( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ))[يوسف:23] لأنه شيء لم يألفه ولم يتعود عليه ويتنافى مع فطرته السوية الطبيعية، وأنت كذلك أحسن الله مثواك، فقد من عليك بنعمة الحياء، والله لو أن تلقي الله بغير زوج أفضل لك مائة مرة من أن تقيمي علاقات محرمة تدخلين بسببها النار، فأنت في نعمة عظيمة.
وأما الشخص الذي مشى معك وقال بأنك خجولة فمعناه أنك لا تحسنين الفواحش والمنكرات، وأما الكلام فأعتقد أنه لا ينقصك الكلام الطيب المهذب الرائع، وإنما ينقصك الكلام الفاسد الفاسق الداعر المنحرف الهابط الساقط؛ لأن الساقطين لا يريدون إلا الساقطات، وأما أنت فعلى خير وإلى خير، فلا تفكري أبدا بهذه الطريقة، فالله تبارك وتعالى فطرك على فطرة طيبة، (( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))[الروم:30]، فطرك الله على نعمة الحياء، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الحياء خير كله)، ويقول: (دعه، فإن الحياء من الإيمان)، فأنت على نعمة عظيمة جليلة.
وكونك لم يتقدم إليك فإنه لم يأتك الشخص المناسب الذي يستحقك، لم يأتك الشخص الطيب النقي العفيف الذي يبحث عن العفيفات أمثالك، فقولي: (الحمد لله الذي جعل هذه الدنيا دارا للمؤمنين الصادقين، وجعل الجنة دارا للمؤمنين الصادقين، فسأظل على الإيمان والعفة والحياء والتزام شرع الله تعالى، حتى يأتيني عبد من عباد الله الصالحين، حتى وإن طال الزمن)، ثم إن عمر سبعة وعشرين عاما حاليا في كثير من بلاد العالم أمر عادي، أصبح هذا العمر ليس عنوسة، فالمرأة الآن تتزوج وعمرها خمسة وثلاثين عاما، وأنت بفضل الله تعملين في وظيفة مرموقة، وشهادتك شهادة عالية، ومن فضل الله تعالى جمالك مقبول، ومحافظة على قيمك، يعني فيك عوامل رائعة، ولكن لم يأتك من يستحقك من الناس، أنت من حقك أن تسألي الله تعالى زوجا صالحا وأن تلحي على ذلك، ولكن لا تقبلي أبدا هذه العلاقات المحرمة أبدا.
والله تبارك وتعالى جعل لك زوجا في علمه، وسوف يأتيك بإذن الله، وهو يستحقك لأنه سوف يكون عفيفا مثلك، فلا تشغلي بالك بهذا الواقع الفاسد الذي ترينه يمينا ويسارا، وواصلي العفاف وواصلي الحياء وواصلي الفضيلة، ولا تتنازلي أبدا عن دينك بحجة أنك ترغبين في زوج، وثقي وتأكدي من أن هذا ابتلاء واختبار من الله، وعما قريب ستنفرج هذه الأمور ويأتيك عبد صالح بإذن الله تعالى ولكن أهم شيء أن لا تتنازلي عن دينك وعن عفتك وعن حيائك وعن قيمك وعن قناعاتك؛ لأن ما عند الله خير وأبقى، والله تبارك وتعالى قال عن الدنيا كلها (( قل متاع الدنيا قليل ))[النساء:77]، وقال أيضا: (( وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى ))[الضحى:4-5].
وتأكدي من أن الله سوف يكرمك ويمن عليك بمن يستحقك من الصالحين، ولا تشغلي بالك بهذه المسائل، فإنها مسألة وقت وستعيشين مع عبد صالح هو أهل لك وأنت أهل له وهو جدير بك وأنت جديرة به، نسأل الله العلي الأعلى أن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك عاجلا غير آجل.
وبالله التوفيق.