السؤال
تزوجت منذ عام ونصف من فتاة تعرفت عليها عن طريق رسالة نصية قصيرة في الهاتف المتحرك، ورغم أن طريقة تعارفنا كانت خاطئة إلا أننا أصررنا على أن نتوب إلى الله وأدق الباب لخطبتها، وكان ذلك بمباركة أهلي الذين لا يعرفون قصة معرفتي بها -والحمد لله- تزوجنا ورزقنا بمولود ذكر بفضل الله، لكني بدأت أحبط منها، حيث أنني عندما قدمت لخطبتها كانت محجبة، ولم أستطع التعرف على كامل جسدها، وحتى والدتي عندما ذهبت ورأتها أخبرتني أنها جميلة ولا يعيبها شيء، ولكني بعد زواجي بها اكتشفت أنها من النوع الذي يظهر على جسدها شعر في كل مكان، وهذا ما يجعلني أحيانا أنفر منها، حتى لو قامت بإزالته يبقى مكانه ظاهرا أحيانا.
ربما يكون لدى الكثيرين أمرا طبيعيا لكنه لا يجعلني أنجذب لها، بل وأعاشرها منذ سنة ونصف لأجلها لا لأجلي أنا، وحتى اليوم وأنا أنظر هنا وهناك للفتيات في الأسواق حتى أقنع نفسي بأن زوجتي أجمل من الأخريات إلا أنني أحبط في النهاية، وأحس بأنه عقاب من الله لي لأني تعرفت عليها بطريقة خاطئة، وأحس بأنني لا يمكنني تحمل بقية الحياة هكذا، رغم أن زوجتي جميلة في الظاهر إلا أن هذه الأمور تجعلني محبطا دائما، حتى أنني صارحتها وأخبرتها وهي منذ ذلك اليوم لا تجعلني أرى شعرة واحدة، إلا أن طبيعة الجسم تظهر مكان الشعر بثورا تجعلني أنفر أيضا، أعلم أن غيري من الأزواج يعانون نفس المشكلة إلا أنني لا أستطيع التحمل خاصة أنني تزوجت حتى أصون نفسي عن الحرام الذي كان يفتح بابه دائما لي وأنا -الحمد لله- أرفضه.
أرجوكم ساعدوني لحل مشكلتي من جميع النواحي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خ.م.م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ذكرت في سؤالك كلمة هامة جدا وهي زوجتي رائعة! فكلمتك رائعة هذه هي مفتاح الحل بينكما والتي سنفصل الكلام عنها أدناه.
تسمى هذه الحالة بالشعرانية، وتكون على درجات إما ظاهرية فقط أو أنها تؤثر على الإنجاب، وبما أنها أنجبت فهذا يعني أن الحالة خفيفة، وأن علاجها ميسور.
وقد ذكرنا الشعرانية في استشارات عديدة، وحتى لا يكون هناك تكرار نشير إليها للاستفادة مما ورد فيها من الناحية الطبية وبعدها نناقش الموضوع من الناحية النفسية والاجتماعية.
فالاستشارة رقم (272666) و(254423) تختصران موضوع الشعرانية.
وأما رقم (267214) فتذكر التحاليل المطلوبة وتفاصيل أخرى.
وأما الاستشارة رقم (256977) فتتحدث عن التشقير.
ورقم (252554) عن DIANE أو الحبوب الهرمونية
والاستشارة رقم (258886) ورقم (282973) تناقشان الشعرانية بشكل عام والعلاج بالليزر مع وجود بعض التداخل.
وأما رقم (267214) فتشير إلى الهرمونات المطلوبة عند اضطرابات الدورة وتكيس المبيضين، ولا أظن أن زوجتك وصلت أو ستصل إلى هذا، ولكننا نذكرها من باب التوسع ليس إلا.
الأخ الفاضل ..
اسمح لي أن أستطرد في الجواب بعيدا عن الناحية الطبية بعد أن أشرنا إلى الرد الطبي، واعذرني فيما سأقول واقبله بصدر رحب، وفكر فيه بينك وبين نفسك ولا تكابر، وأرجو أن تتدبر الكلمات التالية، وأن تصبر على قراءتها إلى آخرها حتى ولو لم تطابق ما تريد، ولكن مع الزمن ستتعرف على عمق معناها والمراد منها.
وأرجو أن تجيب نفسك على الأسئلة التالية:
لو خيرت من تتزوج؟ هل تتزوج الأجمل أم الأعقل؟
وهل تتزوج الأحلى أم الأتقى (على أن تكون بحد مقبول من الجمال)؟ وهل تتزوج الشكل أم الفعل؟
وهل أنت ترغب في الصورة أم الحقيقة؟
والسؤال المهم:
هل أنت تقارن بين النساء من حولك من أي مصدر سواء الحقيقة أو الوسائل الأخرى المتوفرة وبين زوجتك؟
قد يكون بينهن من هي أجمل ولا تعاني من اتساع المسامات ولكنها سيئة الخلق ولا تهتم إلا بنفسها وتهمل زوجها وأولادها.
وقد يكون غيرها أجمل ولكنها بليدة الحركة وبليدة الإحساس ولا تبادلك الشعور والدفء والحياة الزوجية.
وقد يكون غيرها أكثر حيوية ونشاطا ظاهريا ولا ندري أي علة يخفي جسدها.
وقد يكون وقد يكون ...
أخي الكريم..
تصور أن زوجتك هي التي أرسلت السؤال إلينا وليس أنت! وهي تشتكيك أنك رائع ولكنك تضع النظارات أو أصلع أو لحيتك خشنة أو خفيفة أو صوتك واخز بطبيعته أو .. أو .. أو .. مما ليس في يدك عمل شيء تجاهه وهي تكره ذلك، فبماذا تشعر خاصة وأنك تعاملها أفضل معاملة ( كما تعاملك هي – رائعة ـ كما قلت )؟ ألا تشعر عندها أنت بالإحباط أنك أحسنت إلى من يقارنك بغيرك ممن هو أفضل منك في ناحية شكلية؟!
وإن سكوتها عما تكره منك يدل على أنها أكثر إخلاصا لك منك لها!
أخي الكريم ..
إن الحياة الزوجية هي شراكة، وعلى الشركاء إنجاحها بالأمانة، وإن مقارنة أي من الشريكين شريكه بغيره ينغص على الاثنين عيشتهما، وعلى الشريكين السعي المشترك المتبادل لإنجاح هذه الشراكة بكل عناصرها الجسدية والنفسية والسلوكية.
إن الحياة الزوجية أيضا هي منعكسات شرطية، ومعنى ذلك أن السعادة التي تنالها من زوجتك ستربطك بها أكثر وتصبح تستمتع بالنظر إليها عموما.
وأما لو لأنك كنت تتخيل فخيالك سيخرب عليك حياتك الزوجية.
أخي الكريم ...
لا تتوقع من الزوجة الطيبة الصالحة التي وصفتها أنت أنها رائعة، لا تتوقع منها أن تنافس المحترفات، فهن تلك مهنتهن! فهل ترضى لزوجتك أن تكون مثلهن بجمالهن وبأخلاقهن؟!
وسؤال آخر مهم:
كيف يمكن لك أن ترى زوجتك أفضل امرأة في العالم؟
والجواب بغاية البساطة: عن طريق غض البصر،
أي أنني لا أرى جمال غيرها ولا أقارنها بغيرها من المحترفات في إشاعة الفتن فتبقى بنظري من خلال تعاملنا الراقي هي أحسن وأجمل زوجة.
وسؤال آخر مهم:
هل زوجتك هي التي خلقت نفسها حتى تؤاخذ على ما تفعل أم أنها مخلوقة ضعيفة مثلك مثلها هي بيدها أن تتصرف فيما وهبها الله؟ وقد فعلت، فهي لم تريك أيا من الشعر بعد أن اشتكيت، وهذا يدل على المودة من جهتها وحرصها على إرضائك ولكن فيما توفر لها من الإمكانيات.
أخي الكريم أزل من بالك فكرة أن الله يعاقبك وذلك بالتوبة إليه، فالله غفور وغفار وتواب وودود ورحيم فلا تجرده من صفات الرحمة وتسمه بصفات لا تليق بجلاله، وكن على يقين على أنك من لحظة مراجعة نفسك وغضك بصرك ومعاشرتها بما يرضي الله عز وجل وتعففك عن النظر لغيرها فإن المشكلة ستخف تدريجيا إلى أن تنتهي، وطالما أنك وضعت في بالك أنك تعاشرها لأجلها فقد أفسدت عيشتك معها.
وهذا الأمر المذكور في الفقرة الأخيرة يذكرنا بأن هناك سرا في النفس البشرية: وهو أنك إذا أردت أن تقنع نفسك بشيء فستستطيع ذلك، فمثلا لو قلت: أنا مؤمن أنا تقي أنا ورع أنا لا أحب الحرام وكان ذلك ديدنك في تفكيرك يوما بعد يوم فإنك مع الزمن ستلاحظ أن حياتك تستقيم وراحتك بهذه القناعة تزداد وتنمو وأنت فرح بها.
وبالعكس فإنك لو بدأت تقول: أنا فاسق أنا منافق أنا لستتقيا ولا ورعا ولا .. ولا .. فإنك مع الزمن ستلاحظ تراجع قناعاتك وتلبسك بهذه القناعات الدخيلة، وهناك دراسات عديدة على ذلك، وهناك ما يؤيد هذه الفكرة من الناحية الدينية ومن علم النفس وقياسا على ذلك ردد بينك وبين نفسك أنك تحب زوجتك لأسباب، واستكشف إيجابياتها ونمها في نفسك وكن صادقا بها وكررها وقم بتنميتها وكررها وأخلص لها وقل: إنك معجب بها وبادلها المشاعر والرومانسية بعيدا عن الجسد، فستلاحظ مع الزمن أنك سعيد بها وسعادتك تنمو بها، أي: انظر إلى النصف المليء من الكأس تجده امتلأ ولا تنظر إلى النصف الخالي من الكأس تجده فرغ!
إن كان الحرام قد طرق بابك وأنت ترفضه فالحل هو في العفاف، والعفاف لا يعني أن على زوجتك أن تنافسه من ناحية الجمال، بل عليك أن تنافسه بتغيير قناعاتك وغض البصر وعدم المقارنة، واعلم أنك طالما بقيت قناعتك بالمقارنة، فإنك لن تستطيع أن تسعد بزوجتك -والعياذ بالله-.
إذن: يجب تحري الأسباب وعلاجها حسب الإشارات السابقة والاستشارات.
ينبغي علاج الشعر بالليزر، وهذا قد يكون متوفرا وقد يكون مكلفا.
يجب التعامل بالحب والمودة وتنمية مشاعر المشاركة والألفة بينكما.
يجب عدم مقارنتها بالعالم وغض البصر يمنع عنك المقارنة.
الابتعاد عن الخيال فالتخيل يخرب البيوت.
لا تطلب منها فوق طاقتها ولا تحاسبها على شيء هي بريئة منه فهذا ظلم.
تخيل أنها تشتكي من شيء خلقي في جسمك فما هو شعورك.
اتق الله فيها يبارك الله لكما ويدم ودكما ويسعد كل منكما بالآخر.
أخيرا .. أرجو أن تقرأ الجواب مرة ثانية، وأن تتمعن فيه فلربما أردنا بجملة شيئا ما بين السطور ولك تنبه له أو مررت عليه سريعا ولم يعط الأثر المطلوب.
وبالله التوفيق.