السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معلمة تسأل عن طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، مستواه الاجتماعي جيد، ومستواه في الفصل جيد، لكنه يأخذ ويسرق أشياء الفصل وحاجات الغير، ولم تكتشف ذلك إلا بعدما سقطت القطع المدرسية من جيبه، وعند سؤاله عن الأشياء التي اختفت من الفصل على انفراد يصمت ولا يجيب ولا ينظر إلى وجه المعلمة.
علما بأن المعلمة كانت تعينه مسؤولا لترتيب الفصل لزرع المسئولية في نفسه وتعزيز الثقة بينه وبين زملائه بعدما أشاروا عليه بأنه هو السارق وهو الذي يأخذ الأشياء من الفصل، وهي تنفي ذلك عنه أمامهم وتبين لهم أنه يحافظ على الأشياء ويرجعها مكانها ويحسن ترتيب الفصل على عكس ما يتصورون.
وهي تحاول حاليا النصح والإرشاد والتوجيه العام أمام جميع طلبة الفصل حتى يتعلم، لكن دون جدوى، فما هي أسباب هذه المشكلة؟ وما الأسباب التي تدفع الأطفال في هذا السن لفعل مثل هذه الأمور؟ وكيف نعالج المشكلة؟ وما هو التعامل الأمثل معهم؟ وكيف نعلمهم في هذا السن؟ وإن كان العلاج بالعقاب فكيف يكون ذلك دون ضرب أو تجريح؟!
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ H حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن السرقة لدى الأطفال غالبا ما تكون دليلا على وجود اضطراب عاطفي لدى الطفل أو اضطراب وجداني أو عدم استقرار نفسي، وفي حالات قد يكون الحرمان هو السبب، لكن الغالب أنها تكون ناتجة عن نوع من الاضطراب النفسي الانفعالي، أو يمكن أن نسميه الاضطراب النفسي الوجداني.
وفي بعض الأطفال يكون ذلك عادة مكتسبة، حيث بدأ الطفل يأخذ بعض الأشياء وقد شجع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو قد يكون الطفل قد اكتسب هذا المسلك بأن طلب منه أحد الأشخاص أن يحضر له شيئا معينا - مملوكا لإنسان آخر ولا يمتلكه الشخص الذي طلبه - فاتخذ الطفل وسيلة لإحضار ممتلكات الآخرين.
هذه كلها افتراضات ونظريات تذكر في الكتب ونشاهدها في الواقع، وفي بعض الأحيان لا نستطيع أن نقول أن هناك سببا معينا، وأعتقد أن المبادئ المعروفة لعلاج مثل هذه الحالات هي التوجيه، حيث يوجه الطفل بلغة بسيطة مفهومة لديه.
وأعتقد أن المعلم والأم -وليس شخصا آخر- يجب أن يقوموا بهذا الدور، ويجب أن لا يعنف الطفل وأن لا يعاقب، ولكنه يوبخ التوبيخ البسيط، ولابد أن نبنى فيه القيم الإنسانية.
ولا شك أن الطفل ليس بسيئ، ولكن مفهومه حول السرقة قد يكون مفهوما في هذه السن ليس بالحجم الحقيقي للأمور، أو ليس كما نفهمها نحن كالسرقة، فحب التملك يأتي أحيانا لدى الإنسان خاصة يكون متطلعا أن يمتلك ما يملكه الآخرون دون حاجة إليه.
ونعرف أن السرقة لدى الكبار خاصة النساء إذا لم تكن هناك حاجة حقيقية لديهن لما يسرقن يكون الاكتئاب النفسي هو السبب الرئيسي، وقد فسر علماء النفس أن المرأة التي تفعل هذا الفعل هي باحثة بصورة لا شعورية عن العقوبة - أي تنزل بها العقوبة -، ونعرف أن السرقة من المحلات التجارية الكبيرة منتشرة في كثير من الدول، ولا ننفي وجود السرقة التي يكون الدافع فيها هو الحاجة أو سوء السلوك، وهناك السرقة ليست الدافع فيها هي الحاجة، ولكن الاكتئاب النفسي هو الذي دفع هذا الإنسان وجعله يضع نفسه في موضع المساءلة القانونية بحثا عن العقوبة الذاتية، وهذه أمور تكون على مستوى اللاشعور، أو على مستوى العقل الباطني.
فالمنهج الذي تنتهجه المعلمة مع الطفل هو منهج صحيح، أي منهج التمثيل مع معلمة أخرى وهذا نسميه (بالسايكودراما) وهو تمثيل المواقف، وهذا يعزز لدى الطفل مفهوم القيم، فأرجو المواصلة في ذلك.
وأما بالنسبة للعقاب فلست من أنصار العقاب، وإن كان هناك نوع من العقاب السلوكي وهو أن يحجز الطفل على سبيل المثال في المنزل - وليس في المدرسة - في غرفة لمدة نصف ساعة مثلا، ويوضح له بصورة بسيطة أن هذا عقاب لمسلكه الذي قام به، ولكن يجب أن نركز على التحسين، ويجب أن نركز على تمثيل الأدوار كما ذكرنا، وهذا الذي أستطيع أن أقوله في هذه المرحلة.
وعموما فإن مثل هذه السلوكيات تختفي تلقائيا، وقد عرضت علي طفلة تبلغ من العمر أحد عشر عاما قبل فترة قصيرة، وأهلها لديهم الكثير من الخير والنعم والمال، ولوحظ أن هذه الطفلة تسرق أيضا من المدرسة وحين فحصتها وجدت أن مشكلتها الأساسية أنها تعاني من اكتئاب نفسي، ولكنها لم تستطع أن تعبر عن هذا الاكتئاب، وكان سبب هذا الاكتئاب أنها كان لديها صديقة وزميلة على علاقة وطيدة بها، وقد تركت هذه الصديقة البلد وذهبت إلى بلدها الأصلي ولم تستطع هذه الصغيرة أن تتكيف وتتواءم مع هذا الوضع، وبدأ يظهر لديها هذا السلوك.
فإذن هذا الأمر سوف ينتهي إن شاء الله، ولا أستطيع أن أقول أن هذا الطفل مكتئب لأنه ليس في عمره اكتئاب، والأسباب قد لا نستطيع أن نحددها، والمبدأ الأساسي هو تحفيز الطفل وتشجيعه على كل سلوك إيجابي، مع التوبيخ والحجز لفترة قصيرة في غرفة ويجب أن يفهم أن هذا هو العلاج، وأن يفهم أن هذه العقوبة المقصود بها هو تعديل سلوكه.
ولابد أيضا أن نصرف انتباه الطفل إلى نشاطات أخرى ونجعله يستفيد من الألعاب ذات القيمة التعليمية ويندمج مع الأطفال الآخرين، وهذا الطفل في موقع القيادة لبقية الطلاب وهذا يدل على أنه لديه المهارات في هذا العمر، والبعض قد ينصح أن ينقل الطفل إلى مدرسة أخرى، ويحاول أن يبدأ حياة جديدة وهكذا، ولكني لست من أنصار مثل هذه الحلول.
وربما يكون من المفيد أن يعرض الطفل أيضا على أخصائية نفسية، وحبذا لو كانت هذه الأخصائية متخصصة في العلاج النفسي للأطفال، فهذا ربما يكون خيارا جيدا، وقد أعجبني جدا منهج المعلمة وهو المنهج الصحيح، ويجب أن نستمر في تعضيد وتقوية السلوك الإيجابي، ونتجاهل السلوك السلبي، وهذه التطبيقات السلوكية تتطلب الصبر والالتزام وعدم استعجال النتائج.
نسأل الله تعالى لهذا الطفل الحفظ والهداية.
وبالله التوفيق.