السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 23 عاما، وطوال هذا العمر كنت أصلي فترة بانتظام وفترة بدون انتظام، وكلما أنوي أن ألتزم بالصلاة بعد فترة أبدأ في الإهمال مرة أخرى، ونفس الموضوع مع قراءة القرآن، مع العلم أن طبعي هادئ وأحب كل ما يتعلق بالدين، وعندي خلفية جيدة إلى حد ما عن أوامر الله ومدى الخطأ الذي أرتكبه بإغفالي هذا في حق الله ونفسي، ولكن لا أعرف ماذا يصيبني في ثانية واحدة بعد الالتزام أجد نفسي أغفلت، وأيضا في كل مرة أنوي التوبة من جديد وحتى أني أصبح الآن عندما أنوي التوبة لم يعد بداخلي نفس الحماس لها مثل قبل وهذا أكثر ما يزعجني.
أتكلم بصراحة لاحتياجي لنصيحة صادقة من أهل العلم.
أرجو النصيحة ثم الدعاء لي بالهداية والمغفرة والتوبة الصادقة والاستمرار عليها.
وأشكركم على حسن نواياكم ومساعدتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أكرم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يوفقك للانتظام في صلاتك، وأن يمن عليك بصحبة صالحة تكون عونا لك على طاعة الله ورضاه، وأن يوفقك، وأن يشرح صدرك لطلب العلم الشرعي، وأن يتقبل توبتك من هذا الكسل وذاك الخمول، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من صالح المؤمنين.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنك تصلي أحيانا بانتظام ثم بعد ذلك تتوقف فترة عن الصلاة، وهكذا ما بين مد وجزر، فتارة تحافظ عليها محافظة جيدة، وتارة تهملها مرة أخرى، وكذلك أيضا نفس الشيء بالنسبة للقرآن الكريم، رغم أن عندك خلفية جيدة - بفضل الله تعالى – عن أوامر الله تعالى وشرعه، والخطأ الذي ترتكبه أيضا تعرفه وتقدره، وتجد نفسك مرة حريصا على الالتزام ومرة تصيبك الغفلة، حتى التوبة من هذه الغفلة أصبحت – كما ذكرت – لا تشعر بالحماس لها.
أقول لك - بارك الله فيك -: إن الذي يحدث معك هذا إنما هو نتيجة عدم الحرص على إقامة الصلاة بانتظام في مرحلة طفولتك الأولى، فلعل الأسرة كانت قد أعطتك مساحة كبيرة من الحرية في قضية الصلاة، وكانت لا تحرص على أن تحافظ أنت على الصلاة بصفة منتظمة ولذلك حدث عندك في تركيبتك الداخلية هذا التذبذب، تحافظ على الصلاة لفترة ثم تتوقف، ولكن عندما من الله عليك في مرحلة البلوغ ودخلت مرحلة الرجولة بدأت قطعا من داخلك تحافظ على الصلاة، إلا إنه لقلة المعين أو النصير أو المذكر أو المتابع عندما تصاب بنوع من الغفلة تترك الصلاة فترة ثم بعد ذلك تنوي العودة إليها وهلم جرا.
قطعا الشيطان – لعنه الله – له دور كبير في ذلك، فكما تعلم أن الشيطان كقاطع طريق يتربص بالمسافرين، فإذا ما وجد غفلة من أحدهم انقض عليه وأخذ منه ما يريد، فالشيطان عندما تكون أنت تحافظ على الصلاة بانتظام ينخنس ولا يظهر لك أي عداوة أو أي شيء ثم بعد ذلك عندما تصاب بنوع من الإهمال وعندما يجد الفرصة متاحة ينقض عليك لينال منك ويؤدي بك إلى الكسل، ثم لا تلبث أنت أن تنشط مرة أخرى، وهكذا تارة لك وتارة عليك..
طبعا هذا يدل - بارك الله فيك – على ضعف في الالتزام عندك، ويدل كذلك أيضا على قلة التقوى؛ لأن التقوى هي التزام طاعة الله تبارك وتعالى على كل حال، وهي الخوف من الله تبارك وتعالى أن نخالف أمره أو أن نقع في معصيته كما ورد. ولذلك أقول:
يبدو أن القدر الذي يوجد لديك من العلم ليس بالقدر الكافي الذي يجعلك تخشى الله تبارك وتعالى وأن تعبده كأنك تراه، لأنك تعلم أن الله قال: (( إنما يخشى الله من عباده العلماء ))[فاطر:28]، والعلماء يقولون: إن العلم هو الخشية، فلو أنك فعلت لأدركت معنى الخشية حقيقة ولما أصبت أبدا بهذا التذبذب الذي يجعلك تارة مطيعا وتارة عاصيا، لأنك تعلم أنك لو تركت الصلاة فأنت عاص لله تعالى، والذي يخشى عليك - أخي الكريم أكرم – أن تأتيك المنية وأنت تارك للصلاة، فقل لي بربك كيف تقابل الله تعالى؟
يعني إذا لقيت الله عز وجل وأنت تارك للصلاة فقطعا أنت ستموت على سوء خاتمة، والذي يموت على سوء خاتمة – والعياذ بالله – أنت تعلم حاله في القبر وتعلم حاله يوم القيامة، ولذلك أتمنى - بارك الله فيك – أن تأخذ قرارا داخليا من أعماق نفسك أنك تواظب على الصلاة باستمرار ولا تتراجع عن هذا القرار مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف.
ثانيا على ذلك: أتمنى أن تربط نفسك بالصحبة الصالحة التي تعينك دائما وتذكرك بصفة مستمرة؛ لأنه يبدو أنه ليست لك صحبة معينة أو مذكر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فأتمنى أن تربط نفسك بجماعة المسجد أو بالإخوة الصالحين عندكم، أو ببعض المشايخ أو الدعاة أو طلبة العلم، حتى يقوى إيمانك برؤيته وحتى لا تتكاسل في صحبته؛ لأنه قطعا سوف يفتقدك وسوف يسألك، وأنت أيضا لن تجد لديك الاستعداد للتقصير في وجوده، وهذا ما قاله موسى عليه السلام عندما سأل الله تعالى قائلا: (( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا))[طه:29-34].
فأتمنى - بارك الله فيك – أن تتخير لك صحبة صالحة تعينك.
أيضا لا مانع أن تطلب من والدتك أو والدك أو أحد إخوانك أو أخواتك أن يعينك على ذلك، بمعنى عندما يشعرون بنوع من الفتور بالنسبة لك يحاولون أن يذكروك حتى تنشط مرة أخرى؛ لأن الشيطان لن يدعك لتعود بسهولة، وإنما الشيطان يعلم بأن ترك الصلاة من كبائر الذنوب، ولذلك يقول الله تعالى: (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ))[مريم:59]، والعلماء يقولون: الغي واد في جهنم تستجير جهنم من حره أعده الله لتارك الصلاة والمتكاسل عنها، بل إن العلماء يقولون: من جمع بين صلاتين في وقت أحدهما بغير عذر فقد ارتكب كبيرة من الكبائر – والعياذ بالله رب العالمين -.
فأتمنى - بارك الله فيك – أن تأخذ الأمر مأخذ الجد. كما أتمنى أيضا أن تقرأ في أهمية الصلاة، تقرأ كتابا عن الصلاة وأهمية الصلاة في الإسلام، لعل هذا العلم بالصلاة يكون حافزا لك على عدم التقصير في المستقبل.
كذلك قراءة القرآن أتمنى أن تجعل لك وردا يوميا وأن تلزم نفسك بذلك..
نعم أنت تقرأ أحيانا وتترك أحيانا، هذا نتيجة قلة الدافع وقلة العزيمة التي توجد لديك، وأنا أقول لك أنه لن يستطيع أبدا أن يحل هذه المشكلة إلا أكرم نفسه، فأتمنى - بارك الله فيك – أن تأخذ قرارا، وأيضا أن تحاول أن تربط نفسك مع محفظ من أهل القرآن يقوم على تحفيظك ولو بمقدار صفحة في الأسبوع، وبدلا من مجرد القراءة يكون مع القراءة حفظ، ولو أن تحفظ آية أو آيتين يوميا، فإنك ستعان بذلك - إن شاء الله تعالى -. لو ربطت نفسك بأحد المحفظين أو بحلقة تعليم فسوف تجد عندك الرغبة وسوف تنشط عندك الهمة وتقوى عندك العزيمة وتحافظ - بإذن الله تعالى -.
قضية التوبة وأنك لا تشعر بنفس الحماس، هذا أيضا نتيجة هذه الغفلة، فإن الغفلة التي تصيبك لعلها غفلة عميقة، ولذلك يترتب عليها أن رغبتك في التوبة بدأت تقل نتيجة تكرار هذه المعصية، ولذلك أتمنى أن تأخذ قرارا كما ذكرت بعدم التكاسل بهذه الصفة، كما أتمنى أن تربط نفسك بأي أحد يعينك على طاعة الله خصوصا الصلاة وكذلك قراءة القرآن، اربط نفسك بأحد زملائك تراجع معه كل يوم قدرا من القرآن حتى يصبح لك عادة، لأنك مع تكرار هذه العبادة - إن شاء الله تعالى – تعان عليها من قبل الله عز وجل لأن الله قال: (( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ))[مريم:76].
وأيضا عليك بالدعاء لنفسك أن الله تبارك وتعالى يثبتك وأن الله عز وجل يعينك ويأخذ بناصيتك إلى الحق، واسأل الوالدة أو الوالد أن يدعوان لك أو بعض الصالحين من المشايخ أو إخوانك؛ لأن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب لا يرد، ولكن خلاصة الأمر - بارك الله فيك – أن القرار قرارك، فإن أخذت قرارا وصممت عليه فإن نفسك ستطيعك - بإذن الله تعالى – ما دمت مصرا على ذلك، ولا تتكاسل، مجرد ما تسمع الأذان تنطلق فورا إلى دورة المياه لتتوضأ ثم تنطلق إلى المسجد بغير نقاش، أيا كان الأمر الذي في يدك اتركه وانطلق إلى المسجد، وبذلك - إن شاء الله تعالى – مع الدعاء والأخذ بالأسباب سوف تعان؛ لأن الله قال: (( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ))[مريم:76].
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله أن يقبل توبتك وأن يغفر زلاتك وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، وأن يمن عليك بالعلم النافع والعمل الصالح، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.