الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتحلت شخصية فتاة واستخدمت صورتها، فكيف أكفر عن خطئي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في السابق كنتُ أنتحل شخصية فتاة باستخدام صورها، وأوهم الآخرين بأنها أنا، لكنني أدركت حجم خطئي، فاعتذرتُ للفتاة صاحبة الصور، وحذفتُ كل ما يتعلق بها، ومع ذلك، لا زلتُ أتواصل مع بعض الأشخاص الذين لم أخبرهم بحقيقة الأمر، ولا زلت أتكلم معهم بصيغة أنثى.

سؤالي: هل يجب عليّ الآن أن أخبرهم بالحقيقة، وأحذف الحساب، أم أكتفي باعتذاري السابق للفتاة؟ لأنني أشعر أن الاستمرار في هذا الأمر، قد يُعد انتحالًا للشخصية أيضًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حينما قرأتُ رسالتك، أيقنتُ أنك -إن شاء الله- تائب إلى الله، رغم أن ما فعلته ليس بالأمر السهل، ولكن التوبة تجبّ ما قبلها، ورسالتي إليك هي كما يلي:

أولًا: لا بد أن تعلم أن ما قمتَ به كان خطأ في حق نفسك، وفي حق تلك الفتاة، وفي حق الآخرين الذين كنتَ تتواصل معهم منتحلًا شخصيتها، وهذا الأمر يُعرّضك للوقوع في الكذب، والكذب من كبائر الذنوب، فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّابًا" [متفق عليه] وقد رُوي أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حكت إنسانًا، أي قلدت صوته، فقال لها رسول الله: "ما أحب أني حكيت إنسانًا، وأن لي كذا وكذا"، فمجرد المحاكاة والتقليد نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكيف بانتحال شخصية فتاة، ونشر صورها، والتعامل مع الآخرين بهذه الهوية الزائفة؟ وتأمل لو كانت هذه الفتاة أختك، وانتحل أحد شخصيتها ونشر صورها، لا شك أنك لن ترضى بذلك، وكذلك الناس لا يرضون مثل هذا لأخواتهم.

ثانيًا: بالرغم من صدور هذا الخطأ، فإن باب التوبة مفتوح، لكن المقصود هو التوبة النصوح، وهي التوبة التي تشتمل على الندم الصادق على ما فات، والعزم الجازم على عدم الرجوع إلى هذا الفعل، أما اعتذارك للفتاة: فهو عين الصواب، وجزاك الله خيرًا عليه، لكن اللافت في رسالتك أنك لا تزال تخاطب الآخرين بشخصية تلك الفتاة، وهذا يتعارض مع مفهوم التوبة الصادقة.

لذلك نصيحتي لك، وأنت تحمل اسمًا عظيمًا وهو علي، أن تقرأ عن شخصية الإمام عليّ -رضي الله عنه-، وكيف كان رجلًا عظيمًا، قائدًا شهمًا، قوي الإيمان والخلق، وترتفع بنفسك عن مثل هذه الأمور، فعواقبها وخيمة شرعًا وقانونًا، ولا تُعرض نفسك لعقوبات أنت في غنى عنها، امضِ في طريق التوبة النصوح، واحذف ذلك الحساب فورًا قبل أن يأتيك يوم الحساب: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}، {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89].

ثالثًا: أما ما سألت عنه بخصوص إخبار الفتاة مرة أخرى، فأرى -والله أعلم- عدم إخبارها مجددًا، بل اقطع هذا الأمر ولا تعد إليه، وكفّ عن أي تواصل أو انشغال به، فقد فعلت ما يلزم من اعتذار، وهذا كافٍ -إن شاء الله- وأما الأشخاص الذين كنتَ تتواصل معهم بانتحال شخصية الفتاة، فالواجب عليك إخبارهم بالحقيقة إذا كنت لا زلت تستخدم نفس صور الفتاة أو اسمها، لأنهم قد يكونون قد أخذوا انطباعًا سيئًا عنها بغير حق، وهذا من تمام التوبة، كما قال أهل العلم: "من تمام التوبة إصلاح ما أفسده التائب بقدر استطاعته" وأما إن كنت تستخدم اسم فتاة بشكل عام، وليست الفتاة المذكورة، فلا يلزم منك الاعتراف لهم، وقم بحذف الحساب نهائيًّا في كل الحالتين، وتُب إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة نصوحًا، أما .

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يرزقك الاستقامة، وأن يصلح حالك، وأن يمنّ عليك بزوجة صالحة، تعينك على طاعة الله، وتكون لك سكنًا ورحمة في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً